facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




باريس ومربط خيلنا ورصاصنا يلحق جنيف


د. محمد بزبز الحياري
20-06-2025 07:55 PM

تطورت الحروب عبر التاريخ ومرت بعدة مراحل يمكن تقسيمها لأربع، وذلك حسب اسلحتها ووسائلها، وكل مرحلة كانت تلغي ما قبلها من ناحية التأثير والتدمير، وكذلك تعبيتها العسكرية ومبادئها في استغلال وتوظيف هذا الاسلحة، مع تداخل ما بين هذه المراحل قد يطول او يقصر.

- مرحلة السيف، ويدور في فلكها الرمح والسهم والدرع والترس وما الى ذلك، في هذه المرحلة كان عنصر الحسم الرئيسي، هو القوة البدنية والصفات المعنوية المعنوية للمقاتل كالشجاعة والاقدام وما شابه ، كانت المعارك بسيطة ومساحاتها محدودة وقليلة التكاليف وقليلة المكاسب والخسائر ايضا.

- مرحلة النار: باشكالها المختلفة، من رصاصة المسدس وانتهاء بالصاروخ المحمول والموجه، وهذه المرحلة تميزت بتأثير تدميري وبتكاليف اكبر، والغت كل مباديء الحرب التي سادت لقرون من الزمن، وتراجعت القوة البدنية والشجاعة والاقدام كصفات للمحارب، واصبح الجبان الذي يحوز المسدس يتغلب على جيش كامل من الشجعان، الذين يمتشقون سيوفهم ويمتطون خيولهم الاصيلة ، وفي هذه المرحلة ايضا توسع مدى ومساحة الحرب وسرعتها وسهولة الانتقال من منطقة لاخرى ،ومما ساعد على ذلك توفر وسائل مساندة للطلقة والنار، كالاليات والطائرات والسفن، وظهر في آخر هذه المرحلة وسائل واسلحة اخرى اعطت ابعاد كبيرة لهذه المرحلة، كانت مقدمة للمرحلة التي تليها، وهي الاسلحة الكيماوية والجرثومية ذات القدرة العالية على التدمير الشامل، علما بأنه ما زال هناك تداخل بين هذه المرحلة والمراحل التي تليها ويتناقص توظيفها والاعتماد عليها بشكل مضطرد.

- المرحلة النووية: لم تستمر فترة النار كتأثير حاسم بالمعركة طويلا حتى ظهرت بوادر اسلحة التدمير الشامل كالجراثيم والسلاح الكيماوي كما اسلفنا وكانت مقدمة لظهور السلاح النووي ذي القوة التدميرية الهائلة والشاملة ، والتي الغت ايضا في هذه المرحلة معظم ان لم يكن كل مباديء الحرب السابقة ، فمن يمتلك هذا السلاح يلغي ويتجاوز دور وتأثير كل اسلحة الطرف المقابل، لكن هذه المرحلة لم تستعمل اسلحتها بشكل كبير ( سوى مرات محدودة وتكتيكية) نظرا لعدم السيطرة عليها وعلى آثارها حتى بالنسبة لمبتكريها ، وكان توظيفها مؤخرا فقط للردع ولإحداث التأثير المعنوي والتلويح باستعمالها لا غير، هذا كله وغيره ادى الى البحث الحثيث عن اسلحة ووسائل عملية اخرى، وبالتالي مرحلة أخرى من مراحل الحروب، وهذا ما كان.

- المرحلة السيبرانية: بعد عدم الجدوى النسبية لأسلحة ومرحلة الحرب الشاملة( النووية ) وما قبلها، والتكاليف الباهضة ماديا وبشريا لمرحلة النار التقليدية ،استدعى البحث عن ادوات جديدة لتبداء فعليا مرحلة اخرى من مراحل الحروب وهي المرحلة السيبرانية ، وكما كانت الاليات والطائرات وسائل مساندة للمراحل السابقة ، كانت الاتصالات وشبكة الانترنت والذكاء الاصطناعي اساس وأرضية هذه المرحلة واعطت ابعاد عملية وتكتيكية اوسع واكثر جدوى وزُهد بالتكاليف ، من ناحية اخرى اعطت سهولة بالسيطرة على المعركة وتوابعها وحصر آثارها وانتقاء الهدف بدرجات عالية من الدقة وبهامش خطاء قد يقترب من الصفر ومرونة عالية بالحركة لم يتوفر بالمراحل السابقة.

ان ما حدث في الحرب الايرانية الاسرائيلية والروسية الاوكرانية، التي يدور رحاها حاليا وقبل ذلك ما حدث بلبنان وغزة (وما سيحمله المستقبل) يؤكد ان مرحلة من الحروب قد بدأت فعلا ،وهي حرب غير مكلفة نسبيا على من طورها ووظفها ومن يبادر بها ،ومؤثرة بشكل متعاظم على الطرف المقابل، وساحة المعركة هنا اصبحت الكرة الارضية كامله، ببرها وبحرها وفضائها ، فبمجرد امتلاكك لهاتف وجهاز كمبيوتر وإتصال بشبكة الانترنت، فانت اصبحت هدفا ويسهل الوصول اليك في اي لحظة وفي اي مكان.

هذا ما يُثبِت يوما بعد يوم ان الحروب لم تعد تقليدية، وان لم تطور وسائل وأسلحة حرب خاصة بك ستبقى حقلا وهدفا لأدوات الغير واسلحتهم، وعندما كانت السيادة في المعركة قديما برية او بحرية او جوية، فإنها اصبحت حاليا تتجسد بالسيادة الرقمية، ومن يريد ان يصل الى السلام عليه ان يستعد للحرب الحديثة واسلحتها ويطور نفسه.

في المرحلة السيبرانية لم تعد الحرب احتكاك بين الجيوش ومواجهة لبعضها البعض، بل اصبحت تدار من خلف الشاشات ومن لوحات المفاتيح وتتحول تطبيقات الهاتف التي تُحَمَّل بثواني لسلاح، فأنت مخترق ما دمت تحمل هاتفا وموصولا بشبكة النت، فمن يملك الشبكة يملك القرار ومن يملك نظام تشغيل الهاتف فهو له بالرغم من حملك له، نحن نعيش حربا لا تسمع بها اصوات طلقات المدافع، بل اصوات طقطقات المفاتيح.

ورد في الاخبار ان مكالمة صوتية واحدة من تطبيق الواتساب وبدون رد ، كانت كفيلة لزرع برنامج تجسس من تطوير شركة بيكاسيس الاسرائيلية، ومن هنا تم اختراق منظومة كبار المسؤولين والعلماء الايرانيين ورصدهم وتعقبهم ، اصبحت هواتفهم اجهزة مراقبة صوت وصورة وتتبع موقع، ونقل بيانات دون اذن اصحابها، وبقية القصة تتابعونها حاليا على الشاشات وعند سماع صفارات الانذار.

هذا على الارض، اما اذا نظرنا للسماء ،الى "ستار لنك" مثلا فهي النسخة الاحدث من الحرب السيبرانية، فهذه الشبكة تضم الاف الاقمار الصناعية وهي خالصة للامريكي ايلون ماسك، وتمارس التجسس العابر للقارات عبر الفضاء بدون بنية تحتية على الارض، هذه الشبكة تأخذ جميع بياناتك وتنقلها للفضاء دون اذنك واذن حكومتك وتخزنها بالحواضن الامريكية لاستعمالاتهم وقت الحاجة ،وما أكثر حاجاتهم نحونا.

من الدول التي تنبهت لهذا الخطر مبكرا ،الصين وروسيا وكوريا الشمالية، عندما قامت الصين ببناء امبراطوريتها الرقمية الخاصة بها، وخطت حولها جدارا رقميا محصنا كسورها العظيم، هذه الامبراطورية التي ضمت بدائل لا تقل جودة عن يوتيوب وفيسبوك وقوقل، والاهم انها تدار من داخل الصين وتخضع لرقابتها المباشرة دون علم الغير ، كذلك روسيا اسست شبكة نت بديلة وخاصة بها اسمتها "رانت", وكوريا اغلقت النت تماما وقال رئيسها: لن ادعهم يدخلوا بيوتنا ويحاربوننا منها ، والى الان لم يجروء احد على اختراقهم.

للامانة التاريخية والموضوعية العلمية، نقول ان العرب ابدعوا بالمرحلة الاولى فقط مرحلة السيف، اما بالنسبة لباقي المراحل فاكتفوا بمراقبة المشهد، ليس هذا فحسب بل انهم جعلوا من انفسهم حقلا واهدافا، وما زالوا يصدحوا بأفراحهم.. باريس ومربط خيلنا ورصاصنا يلحق جنيف.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :