إيران والكيان: تحالفات مصالح أم صراع نفوذ؟
النائب الاسبق باسل عياصرة
21-06-2025 12:57 PM
في منطقة يعجُّ تاريخها بالتوترات، وواقعها بتحالفات متبدّلة، تبرز العلاقة بين إيران والكيان الاسرائيلي كواحدة من أكثر الملفات تعقيدًا وغموضًا. علاقة تُعلن فيها الخصومة، بينما تنسج خلف الكواليس تفاهمات مؤقتة ومصالح مشتركة تتقاطع أحيانًا أكثر مما تتصادم.
الخميني والمنفى: بداية العلاقة المتوترة
تعود جذور هذه العلاقة المعقدة إلى ما قبل الثورة الإيرانية، حين نُفي آية الله الخميني بسبب رفضه للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية على القرار الإيراني في عهد الشاه. تنقّل بين تركيا والعراق، حيث عاش في النجف 13 عامًا، قبل أن يُرحّل إلى فرنسا عام 1978، ليعود بعدها إلى إيران زعيمًا للثورة الإسلامية في فبراير 1979.
ورغم رفعه لشعارات "الموت لإسرائيل" و"الموت لأمريكا"، إلا أن الواقع أثبت أن العداء المعلن لم يكن دائمًا حاسمًا، وأن المصالح كانت تفرض تقاطعات تكتيكية خلف الستار.
الثورة على حساب العرب
منذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة، لم تتجه إيران فعليًا إلى فلسطين، بل إلى العالم العربي. من حرب طاحنة مع العراق، إلى نفوذ متزايد في سوريا ولبنان واليمن، وانخراط مباشر في غزة. أما التحول المفصلي فكان في عام 2003، حين التقت المصالح الأمريكية والإيرانية على تفكيك العراق، وتسليمه فعليًا لطهران.
مارست إيران انتقامًا طائفيًا غير مسبوق، قُتل فيه نحو مليون عراقي، وشُرّد الملايين، واغتيل العلماء، ونهبت الثروات، وتصدّرت المشهد نخب سياسية موالية تُعرف بأنها من بين الأكثر فسادًا في العصر الحديث.
فلسطين بين الدعم والاحتواء
لم يكن الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية خالصًا لوجه فلسطين. فقد سعت طهران إلى تحويل هذه الفصائل إلى أدوات تفاوض في مشاريعها الإقليمية، واستُدرجت المقاومة إلى معارك جانبية على حساب القضية المركزية.
ومع ذلك، واجه بعض القادة الفلسطينيين هذا المسار. الشيخ أحمد ياسين، ومن بعده الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، رفضا الخضوع للمشروع الإيراني رغم قبولهما بالدعم. وقال الشيخ ياسين للمرشد الإيراني:
"نشكركم على الدعم، لكننا نرفض أن نكون ضمن مشاريعكم أو نعيش في جلبابكم."
صراع نفوذ لا صراع وجود
ما يجمع إيران بالكيان ليس عداوة عقائدية أو أخلاقية، بل صراع نفوذ وسيطرة. وعندما تتقاطع المصالح، تهدأ التصريحات، وتُؤجّل المواجهات. أما الشعارات، فهي للاستهلاك المحلي غالبًا.
لكن في حال حدث تغيير في النظام الإيراني، فإن الفرصة قائمة أمام العرب لإعادة رسم خريطة التوازن الإقليمي، بشرط أن يتحركوا ضمن خطة استراتيجية عربية واضحة المعالم، تأخذ في الاعتبار مصالح الشعوب، وتدفع باتجاه إقامة دولة فلسطينية وإنهاء معاناة شعب مورست عليه أفظع الجرائم الحديثة.
هذا الهدف، إذا اعتُمد كاستراتيجية عربية وإسلامية، يمكن انتزاعه من خلال أدوات السياسة والضغط الدولي، لا عبر ردات الفعل أو الرهانات الخارجية.
الكيان والسقوط الأخلاقي
أما الكيان الاسرائيلي، فهو مشروع وظيفي غربي أُنشئ لأهداف محددة. ومع تقلص تلك الأهداف، يقترب المشروع من نهايته. العدوان الأخير على غزة كشف للعالم كله السقوط الأخلاقي المدوي لهذا الكيان، بعدما استُبيحت دماء الأطفال، وهُدّمت البيوت على رؤوس المدنيين، في مشهد لم يعد بإمكان أي ضمير إنساني تبريره أو تجاهله.
فزوال الكيان لم يعد مجرد احتمال سياسي أو عسكري، بل تحوّل إلى قضية أخلاقية وإنسانية عالمية… تتجذر يومًا بعد يوم، وتظهر ملامحها بوضوح للعيان .