facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأقحوان يخفّف الألم


د. جاسر خلف محاسنه
21-06-2025 10:23 PM

"مرثيّة لأرضٍ تلد الجمال رغم الحزن، ولأصدقاء يشبهون الزهور البرّية في زمن الخراب"

في سفحٍ مهجور من الجبل الأسود، حيث تنكسر الريح على الحجارة القديمة، وتغفو أشجار الزيتون على ظلّها الطويل،
رأيت الأقحوان.

زهرة بسيطة، لا يزرعها أحد، ولا تسأل أحدًا أن يراها، ومع ذلك، تُزهر.

تخرج من قلب الصخر كأنّها تعترض على النسيان، وتبتسم للحياة كمن لا يعنيه خراب العالم.

في تلك اللحظة،
وحين كنا نقف تحت سماء رمادية كأنها خجلت من المطر،
نُشيّع غائبًا آخر من الذين كانوا يشبهون الشجر في صبرهم،
لم يكن فينا من يستطيع البكاء،
كأننا فقدنا حتى الدموع،
وكل ما بقي هو نظرات شاردة ومصافحات باردة...
همس أحد الإخوة، ولم ينظر إلينا:
"الأقحوان يخفّف الألم."
لم أفهمه أولاً،
لكنني رأيت عينيه،
ورأيت ما تبقّى من قلبه يُشير إلى زهرة صغيرة عند المدخل.
الأقحوان... لا النعي، لا الموعظة، لا طقوس الموت...
هو وحده كان واقفًا هناك،
كأنّه يقول لنا:
لا تنسوا الجمال حتى وأنتم تنكسرون.
في الأردن، لا نحتاج إلى كثير من المجاز.
البلاد نفسها استعارة طويلة عن الصبر،
وعن الذين يمضون دون صخب،
ويتركون خلفهم شجرة، ومجرفة،
وابنًا نسي أن والده كان يحرث هذا الحقل كل صباح بصمت.
الراحل لا يحتاج رثاءً،
لكنه يستحق أن نُشبهه بالأقحوان.
لا لأنه هشّ،
بل لأنه يعرف متى يُزهر،
ويختار البقاء حتى في الأرض التي جفّت.
وأصدقاؤنا – أولئك الذين لم يُغنّوا في المذياع، ولم تُلتقط لهم صورٌ في الصدارة –
هم أقحوان الروح.
ينبتون حين تنكسر،
يأتون حين يرحل الجميع،
ويملأون الغرفة برائحةٍ لا تُشبه العطر،
بل تُشبه البيت حين يعود دفء الأب فجأة.
قال لي صديق قديم، حين بدا الليل أطول من العادة،
جلسنا في ركنٍ منسيّ في مقهى لم يعُد أحد يرتاده،
وكان الحزن خفيفًا، لكنّه يملأ الهواء كما يملأ الغبار الضوء في آخر النهار،
فقال بهدوء يشبه الاعتراف:
"الأقحوان يخفّف الألم."
لم تكن حكمة،
ولا عزاءً،
بل كانت كأنّها جملة تُقال كي لا ننهار،
أو كي يبقى شيءٌ من الحياة ممسكًا بطرف القميص.
أطرقت برأسي،
وتذكّرت كل الوجوه التي غابت،
ليس دفعة واحدة،
بل كما تتساقط أوراق الشجر في الخريف:
بلا ضجيج، بلا وداع.
ورغم كل ذلك،
ابتسمت.
في آخر المرثيّات،
لا نحتاج إلى جملة طويلة،
يكفينا أن نقول:
"الأقحوان يخفّف الألم."
لأن الأقحوان لا يُنقذ البلاد،
ولا يكتب بيانًا وطنيًا،
ولا يغير قانونًا،
لكنه يقول لنا – دون أن يتكلم –
أن الجمال لم يمت،
وأن من أحببناهم لم يذهبوا تمامًا،
وأن الوطن، مهما تعب،
ما زال ينبت زهورًا صغيرة على أطراف المقابر،
وعند البيوت التي غادرها أصحابها فجأة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :