في خضم التصعيد العسكري بين الاحتلال الإسرائيلي والجمهورية الإيرانية، عاد البعض إلى ممارسة هوايته القديمة في المزايدة على الموقف الأردني، مطالبين الأردن بـ"التصدي" لطائرات العدو الصهيوني،

تتوالى الأصوات التي تطالب الأردن بإسقاط الطائرات الصهيونية التي تنفذ غاراتها باتجاه العمق الإيراني، رغم أن هذه الطائرات، وفق ما أظهرته الخرائط التي نشرها جيش الاحتلال نفسه، لم تخترق الأجواء الأردنية من الأصل. ورغم وضوح الوقائع، يصر البعض على تجاهلها، ساعين لتوريط الأردن في مواجهة لا مصلحة له بها، تحت شعارات فضفاضة لا تخدم إلا أجندات خارجية.

من المفارقات الصارخة، أن من يحمّل الأردن مسؤولية إسقاط طائرات معادية، يعلم تمامًا أن إيران نفسها، بكل ما تملكه من منظومات دفاعية متقدمة، لم تتمكن من إسقاط طائرة صهيونية واحدة خلال السنوات الماضية، رغم تكرار الضربات داخل أراضيها وضد حلفائها. فهل يُعقل أن يُطلب من دولة بحجم وإمكانات الأردن أن تتحمل ما لم تستطع قوى إقليمية كبرى تحمله؟

ورغم كل ما يتعرض له الأردن من حملات تشويه وإساءات وهجمات إعلامية منظمة، يبقى ثباته على موقفه نابعًا من مصلحة وطنية عليا، لا تُقاس بشعارات المزايدين. نرفض أي ابتزاز سياسي أو محاولة لتشويه موقف الأردن المتزن، ونؤكد أن المملكة ستبقى تعمل وفق ما تقتضيه مصلحة أمنها واستقرارها، ودعم التحول نحو سياسات تحمي أجواءها وسيادتها، دون انجرار أو تهور.

إن حماية السيادة الأردنية ورفض الزج بالأردن في أتون الصراع الإقليمي، موقف مبدئي لا يقبل النقاش. ونؤكد بوضوح: لا نقبل بأي انتهاك لأجوائنا أو حدودنا، برًا أو جوًا، من أي طرف كان. كما نُحذر من أي محاولة لجر الأردن إلى هذا الصراع الذي لا يخدم سوى أجندات خارجة عن مصلحة شعبنا.

وندعو الحكومة الأردنية إلى الثبات على موقفها بعدم السماح باستخدام الأراضي أو الأجواء الأردنية في أي عمليات عسكرية تخالف مصالح الدولة الأردنية وشعبها، والوقوف بحزم في وجه أي ضغوط تهدف إلى زعزعة هذا الثبات.

الأردن ليس ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات، بل دولة ذات سيادة وقرار، تعرف متى وأين تقول كلمتها، وتدرك جيدًا أن الانحياز لمصالح الوطن لا يكون بالصوت العالي، بل بالحكمة والثبات والتمسك بالثوابت.