لا أسماء في السطر الأول.
ولا تاريخ في الزاوية العليا.
كل ما في الأمر أن شيئًا بدأ أو توهّمنا بدايته.
ثمة من يحرك المشهد دون أن يظهر.
وجه لا يظهر في الصور، لكن ظله يُنقّح الخريطة، ويعيد صياغة الصوت حين يعلو.
القرارات؟ لم تُعلن رسميًا. لكنها نُفّذت كما ينبغي.
لا أحد يقول تعم، ولا أحد يعارض.
الكلمات تُختار بعناية: جارٍ النظر بدل الحسم، سوء فهم بدل الغضب، تقدير ظرفي بدل الموقف.
كل شيء معلّق، لا فوق ولا تحت، بل في طبقة رمادية بين ما يُقال وما يُقصد.
الهوية محجوزة في الدرج الثالث من الخزانة الرابعة في الطابق المنسي.
تُستخدم عند الضرورة، كوثيقة سفر إلى الداخل.
أما الذاكرة، فقد جُهّزت للنسيان: مضغوطة، مشوّهة، جاهزة للبثّ عند الحاجة فقط.
المواطن لا يُسأل، بل يُقاس من بعيد.
الأسئلة مُشبوهة، والقلق خطر معدٍ، والتفكير العلني يُصنَّف تحت النشاط غير المصرّح به.
الناس يتحركون دون اتجاه. يضحكون على ما لم يُفهم بعد. ويملأون استبيانات لا تُقرأ، ولا تُستخدم إلا لتبرير التوصيات غير المفهومة التي كُتبت قبل تعبئتها.
الحقيقة؟
تخضع لعمليات تنقيح لغوي.
كل جملة تحتاج ختمين على الأقل، وكل سطر يُراجع وفق مقاييس الاستقرار الشكلي.
أما السياسات، فهي قابلة للتكيّف المناخي: تبرد حين يشتد الغضب. وتشتعل حين يخبو السؤال.
لا أحد يدّعي السيطرة، ولا أحد يعتذر.
الكل يؤدي دوره كما كتبته جهات لا تعرف المسرح، ولا تملك جمهورًا، لكنها تتحكم بالإضاءة.
في النهاية، لا شيء حدث رسميًا.
لم تُعلن حالة، ولم يُوقّع مرسوم، ولم تُرفع راية جديدة.
لكنّ المشهد تغيّر.
الصوت انخفض.
والظل امتدّ.
وهنا، في قلب هذا الشرق الأوسط الذي ينسى،
تُطوى صفحات التاريخ بدون أن يُقرأ منها سطر،
وتُختزل ذاكرة الشعوب في مساحة رمادية لا تكاد تُرى.
هناك حيث لا تتذكر الأرض، ولا يذكر السماء،
تُولد اتفاقاتٌ بلا شهود، وتُقام دولٌ بلا حضور،
ويبقى السؤال: من يحكم الغياب؟