facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الخطوط المستقيمة للدولة المنتجة


د. جاسر خلف محاسنه
29-06-2025 02:00 PM

الزر موجود. ربما على طرف خارطة قديمة نُسيت في درج، أو في دفتر خطّه موظف ذات صباح، ثم مضى ولم يعد. الزر موجود، لكن لا أحد يضغطه. في الأثناء، يدور الحديث عن الدولة المنتجة كما لو أنها حكاية بعيدة، أو وعد مؤجل. البعض يتخيلها مصانع في وسط الصحراء، آخرون يرونها في أسواق خضراء حول المدن، وهناك من يكتفي بحلم بسيط: طريق لا ينهار، أو مشروع لا يُسحب بعد أن يُعلن.

لكن الحقيقة أن الإنتاج لا يأتي بالنيات الطيبة، ولا يصعد من نشرات الأخبار، ولا يولد من أرقام الموازنات. في معظم الأحيان، ما نحتاجه أوضح مما يُقال: خطة واحدة، واضحة بما يكفي لتُتبع، بسيطة بما يكفي لتُفهم، وقابلة للتنفيذ دون احتفالات أو شعارات.

نُرهق أنفسنا بكثرة الالتفاف. ندور حول الفكرة ولا نقترب منها. الأطراف تعرف العاصمة من خلال الفواتير، والعاصمة لا ترى من الأطراف إلا صدى المطالب. ليس بينهما فراغ جغرافي، بل غياب في الخيال. من دون رؤية تحترم الجغرافيا، تظل السياسات عالقة في النصوص.
ا
لوقت ليس المشكلة، ولا المال وحده. بل في ما يُربط وما يُفتح وما يُتاح. حين يُطرح السؤال ببساطة: "أين يمكن أن ننتج؟"، يبدأ الزمن بالتحول من عدو إلى حليف. الإنتاج لا يبدأ من رأس الهرم، بل من أطرافه، من حيث الناس مستعدون أن يعملوا إن أُتيحت لهم الأدوات.

ثمّة أشياء تسبق القانون وتحدد إن كان عادلًا قبل أن يُطبق. الطريق، على سبيل المثال، يفتح الباب للفرصة أو يغلقه. السياسات لا تنجح لأن الورق متقن، بل لأن الأرض استجابت. اليابان، على سبيل الذكر، لم تكن لتعيد توزيع الفرص لولا شبكة نقل ربطت القرى بالمدن. الفكرة لم تكن في السرعة، بل في العدل.

عندنا، القرى ما زالت تُعامل كمناطق انتظار. والمدن تكاد تختنق من مركزيتها. ما إن نُحرر الأولى من التهميش، والثانية من التكدس، حتى تبدأ المعادلة بالتغير. مجمع صناعي في جرش ليس ترفًا، بل فرصة. مدرسة في الكرك ليست عبئًا، بل استثمار في يدٍ قد تُتقن صنعة.

حين يرى الشاب في قريته مشروعًا لا يقل شأنًا عمّا في العاصمة، سيتوقف عن التفكير بالرحيل كخلاص وحيد. هنا تتغير المعادلة. فالذي يُنتج ليس الخبز وحده، بل الشعور بالقيمة. حين يعرف الفرد أنه لا يُعدّ في سجلات الرواتب فقط، بل يُحسب في الناتج، تعود العلاقة بينه وبين الدولة إلى أصلها: شراكة.

حتى المواصلات، حين تُصمم لخدمة الناس لا لتعقيد حياتهم، تصبح مرآة للعدالة. لا يُمكن لسياسة أن تنجح إن لم تُجرب على الأقدام، قبل أن تُكتب بالحبر.

ومن لا ينتج، لا يملك قراره. الدولة التي تعيش على الواردات، لا تملك كثيرًا من الوقت حين تشتد الأزمات. الاستقلال لا يُصاغ فقط في السيادة، بل في القدرة على توفير الأساسيات.

ما نحتاجه اليوم ليس فكرة عظيمة تُعرض في مؤتمر، بل مشروع صغير يُنفذ في مكانه الصحيح. لا نريد إعادة تعريف كل شيء، بل البدء من شيء محدد. الدولة المنتجة لا تحتاج إلى زينة، بل إلى من يمشي الطريق.

وربما، لا يزال أمامنا وقت. لا كثيرًا، لكنه يكفي إن بدأنا من الآن. الطريق لا يُرسم بالشعارات، بل بخط مستقيم واحد، يُمشى عليه، لا يُتأمل فقط.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :