facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تبييض الانتهاكات وتضليل الوعي في خدمة الاحتلال


م. بسام ابو النصر
03-07-2025 01:29 PM

لطالما لعب الإعلام الغربي، وخصوصًا مؤسسات مثل BBC، دورًا جوهريًا في تشكيل السردية العامة حول ما يحدث في فلسطين وسائر بقاع الشرق الأوسط، حيث يُمارَس العنف الإسرائيلي باسم "الدفاع عن النفس" تحت أنظار العالم. لكن هذا الإعلام، بدلًا من أن يكون منصة لكشف الانتهاكات والمجازر، أصبح في كثير من الأحيان وسيلة لتبييض الجرائم وتبرير العدوان، وهو ما يشكّل امتدادًا لنظرية "تصنيع الموافقة" التي طرحها المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي.

يرى تشومسكي أن الإعلام الغربي لا ينقل الحقيقة بقدر ما يُعيد إنتاجها بما يخدم القوى المهيمنة، متهمًا شبكات كبرى بأنها تساهم في إعادة صياغة الأحداث لتتلاءم مع المصالح الاستراتيجية للغرب، لا سيما أمريكا وإسرائيل. في السياق الفلسطيني، يظهر هذا الانحياز بشكل فجّ في كيفية توصيف العمليات العسكرية الإسرائيلية، حيث تُقدَّم على أنها "ضربات استباقية" أو "ردود دفاعية"، بينما يُغيَّب السياق الأوسع للاحتلال والحصار والتهجير القسري. ويتم استخدام لغة تُفرّق بين الضحايا، إذ يُسلب الفلسطيني من اسمه وتاريخه في الأخبار ويُستبدَل بكلمات فضفاضة كـ"مدنيين قُتلوا في تبادل للنار".

أحد أبرز مظاهر هذا التبييض هو السرد المتكرر بأن إسرائيل تُحاصر غزة وتقتل أهلها من أجل "حماية حدودها" أو "الدفاع عن أمنها"، بينما الحقيقة أن المجازر تطال المدنيين في المدارس والمستشفيات، وأن أكثر من خمسين ألفًا قتلوا أو أصيبوا، في عمليات لا يمكن وصفها إلا بأنها تطهير عرقي ممنهج. في حين لا يجوز لأي دولة أن تدّعي أنها تدافع عن نفسها عبر إبادة جماعية ضد سكان أصليين، فإن الإعلام الغربي يواصل تبرير هذه الجرائم بصيغة تضليلية.

تشومسكي، وهو يهودي الأصل ومن أبرز المفكرين المعاصرين الذين ينتقدون الاسرائيلية، لطالما وُضع على القوائم السوداء لدى جماعات اسرائيلية بسبب مواقفه الجريئة والمبدئية. وعلى الرغم من التعتيم الإعلامي على آرائه، تُدرّس كتبه ومقالاته في أعرق جامعات العالم، كمرجع في تحليل منظومات الإعلام، والسياسة الخارجية الأمريكية، والصراع العربي الاسرائيلي.

اليوم، يبلغ تشومسكي من العمر 97 عامًا، ويعاني من وضع صحي حرج بعد إصابته بجلطة دماغية حادة قبل عام أثّرت على قدرته على الكلام والحركة. ورغم تدهور حالته، فإن إرثه الفكري باقٍ، وأفكاره لا تزال تنير طريق الباحثين والمدافعين عن حقوق الشعوب. لقد وضع تشومسكي إصبعه على الجرح حين وصف الإعلام الغربي بأنه شريك غير مباشر في الجريمة، حين يصمت أو يُجمّل أو يبرر.

ويشير تشومسكي إلى أن هذا النوع من الخطاب الإعلامي ليس عشوائيًا، بل هو جزء من منظومة تدعم إسرائيل سياسيًا وعسكريًا، وتمارس الضغوط على من يخرج عن الصف. الإعلام يلعب هنا دور "الشرعنة" للممارسات اللا إنسانية، في حين يتم تهميش الأصوات التي تنادي بالعدالة، أو تصويرها كمنحازة أو متطرفة. ويذكر تشومسكي أن هذا الدعم الإعلامي يسير جنبًا إلى جنب مع ماكينة دعم سياسي هائلة تقودها الولايات المتحدة، التي لا تمثل كلها المواقف المتطرفة للحكومات المؤيدة لإسرائيل، بل بدأت تظهر فيها نخب وقطاعات شعبية ترفض هذه السياسات.

اللافت أن هذا التواطؤ الإعلامي لم يعد مقبولًا كما كان، إذ بدأت تتشكل حركات احتجاجية في جامعات الغرب وشوارعه، تطالب بوقف دعم الاحتلال وتدعو إلى محاسبة إسرائيل على جرائم الحرب. ومع تصاعد القتل في غزة، وسقوط الأقنعة عن بعض المؤسسات الإعلامية التي تدّعي الحياد، يظهر أن ثمة تحولًا في الرأي العام، ولو ببطء، تجاه الاعتراف بالحق الفلسطيني. ورغم مقاومة هذا التحول من قبل المؤسسات الراسخة، فإن نضال الحقيقة مستمر.

ختامًا، فإن خطاب تشومسكي لا يسلّط الضوء فقط على فشل الإعلام الغربي في نقل الحقيقة، بل يفضح كيف يُستخدم الإعلام كأداة لتثبيت الاحتلال وتضليل الجمهور العالمي. وبينما تسقط القذائف على غزة ويُشرّد آلاف الفلسطينيين، تواصل بعض القنوات الإعلامية الغربية تغليف الجريمة بكلمات ناعمة، وتقديم الجلاد في صورة الضحية. لكن هذه الرواية بدأت تتصدّع، بفعل نضال الشعوب الحرة، وبفضل أصوات لا تزال تُصرّ على أن قول الحقيقة واجب أخلاقي قبل أن يكون موقفًا سياسيًا.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :