حين تُبنى الدول على أسس مؤسساتية راسخة، يصبح من الطبيعي أن يعلو صوت الإنجاز والعمل فوق ضجيج الأصوات العابرة، وأن تبقى معايير الكفاءة والنزاهة والخبرة هي الفيصل الوحيد في تولي المسؤوليات، بعيدًا عن المهاترات والمزايدات التي لا تقدّم ولا تؤخر.
إن المتابع المنصف يدرك أن القرارات الحكومية لا تؤخذ ارتجالًا أو مجاملةً، بل تأتي بعد دراسة وتمحيص، الدكتور عبدالحليم الدوجان، الأمين العام الجديد لوزارة العمل، مثال صادق على هذه القاعدة، فهذا الرجل الذي لم يتكئ يومًا إلا على جهده وخبرته، بنى تاريخه المهني لبنةً لبنة، حتى غدا اسمًا معروفًا لكل من يعمل في ميادين الإدارة الحكومية والملفات الفنية التي تحتاج إلى حزمٍ وحكمةٍ في آنٍ واحد.
إن قراءة سريعة لسيرته المهنية وحدها كفيلة بأن توضح حجم ما يحمل من خبرة إدارية وتنفيذية. سنوات طويلة قضاها في خدمة مؤسسات الدولة، واضعًا المصلحة العامة فوق كل اعتبار، متنقلًا من موقع إلى آخر، دون أن يُعرف عنه إلا الجدية والانضباط والتفاني، ودون أن يطرق بابًا لطلب منصب أو جاه.
لم يكن توليه موقع نائب الأمين العام للشؤون الإدارية والمالية في وزارة الزراعة مجرّد لقبٍ إداري، بل كان في حقيقته دورًا مركزيًا في تسيير واحدة من أكثر الوزارات تعقيدًا من حيث الملفات وحجم المسؤولية. وقد حمل هذا العبء سنوات طويلة، بحصيلة أرقام وإنجازات يعرفها العاملون معه قبل غيرهم.
وحين اختار أن ينتقل إلى القطاع المشترك، أثبت للجميع أنه لا يرى في الموقع منصبًا بقدر ما يراه مسؤولية قابلة للقياس بنتائج ملموسة. ففي فترة وجيزة أعاد هيكلة شركة عانت طويلًا من التعثر، محققًا نقلة نوعية جعلت منها مشروعًا ناجحًا قائمًا على خطط مدروسة وأهداف قابلة للتحقق.
إن الدكتور عبدالحليم ينتمي إلى مدرسة وطنية تؤمن بأن المنصب تكليف قبل أن يكون تشريفًا، وأن خدمة الوطن تقتضي أحيانًا أن تتخلى عن مزايا قد يجدها البعض مغرية، في سبيل تولي موقع يحتاجه الوطن أكثر من حاجة صاحبه إليه. وما تنازله عن موقع يحقق له مزايا مادية عالية، مقابل تولي موقع أمين عام وزارة العمل، إلا دليل قاطع على أنه لا ينظر إلى المناصب بمنظار الربح والخسارة، بل بمنظار الواجب الوطني.
إننا اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى هذا النموذج من القيادات الإدارية التي تؤمن بثقافة الدولة العميقة، وتحترم القانون، وتدرك أن مواقع الدولة هي أمانة تُحاسَب عليها أمام الله وأمام الضمير قبل أن تُحاسَب أمام الناس.
حفظ الله الأردن ورجاله الأوفياء، وأعان كل مخلص على حمل الأمانة وأداء الرسالة على أكمل وجه..