facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




قراءة في ترتيب الجامعات ضمن قوائم مؤشر النزاهة العالمي


د. جاسر خلف محاسنه
09-07-2025 09:56 PM

تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تقارير تشير إلى ورود أسماء عدد من الجامعات الأردنية ضمن قوائم مؤشر النزاهة البحثية العالمي، والذي يقيّم مؤسسات التعليم العالي بناءً على مدى التزامها بمعايير النزاهة في النشر العلمي.

وقد أثارت هذه التقارير ردود فعل متباينة، منها ما اتسم بالتسرّع في إصدار الأحكام، ومنها ما حاول تفسير النتائج دون الرجوع إلى تفاصيل المؤشر نفسه، أو إلى السياق الأكاديمي المحلي والدولي. في هذا المقال، أسعى لتقديم قراءة هادئة ومجردة، لا تدافع عن جهة بعينها، ولا تهاجم أخرى، وإنما تسعى لفهم ما جرى، وكيف ينبغي أن نقرأه.

بداية، لا بد من التذكير بأن مؤشر النزاهة البحثية لا يُعنى بالتصنيف الأكاديمي الشامل للجامعات، ولا يقيس جودة التعليم أو حجم الإنتاج العلمي فقط، بل يركّز على معيار محدد ودقيق: نسبة الأبحاث التي تم سحبها (retracted) بعد نشرها في مجلات علمية. وتُسحب الأبحاث عادة لأسباب تتعلق بانتحال أو تكرار أو تزوير أو تضليل في البيانات أو عدم الالتزام بأخلاقيات البحث. وبالتالي، فإن الجامعة التي تُسحب منها أبحاث بنسبة مرتفعة أو بتسارع لافت خلال فترة زمنية قصيرة، تُدرج ضمن فئات الخطر في المؤشر، بغض النظر عن مكانتها الأكاديمية أو ترتيبها في التصنيفات الأخرى.

لكن ظهور اسم جامعة في هذا المؤشر لا يعني بالضرورة أنها متورطة في ممارسات ممنهجة أو مؤسسية تمس النزاهة، فالمؤشر يعتمد على بيانات كمية ونسبية. وقد يكون لجامعة ما إنتاج علمي ضخم، ومعه احتمالية أكبر لظهور حالات سحب فردية لا تعبر عن توجه عام. كما أن المؤشر لا يميّز، بالضرورة، بين السحب لأسباب فنية غير مقصودة، والسحب بسبب الاحتيال العلمي الصريح، مما يستدعي قراءة متأنية للبيانات لا مجرد اعتماد على الترتيب الرقمي.

وفي الحالة الأردنية، لا يمكن تجاهل أن بعض الجامعات الخاصة والأهلية توسعت بشكل ملحوظ في برامج الماجستير والدكتوراة خلال السنوات الماضية، دون توفر بنية بحثية حقيقية أو كادر أكاديمي متخصص قادر على الإشراف العلمي الرصين. في كثير من هذه الحالات، أُنشئت برامج دراسات عليا في تخصصات دقيقة، رغم غياب المختبرات، أو المجلات الجامعية المحكّمة، أو حتى الحد الأدنى من لجان أخلاقيات البحث. والأسوأ أن بعض هذه البرامج أُسندت إلى مشرفين حصلوا على شهاداتهم من مؤسسات تعليمية تفتقر للمصداقية، أو لا تُعرف بجديّتها البحثية.

نتيجة لهذا التوسع غير المنضبط، أصبح النشر العلمي، في بعض الحالات، هدفًا بحد ذاته، لا وسيلة للمعرفة. فصار بعض الباحثين يلاحقون الترقية، أو يحاولون تحقيق حضور أكاديمي عبر نشر سريع في مجلات مفتوحة غير محكمة، أو عبر منصات ذات سمعة ضعيفة. ومع ضعف الرقابة الداخلية في بعض المؤسسات، وعدم وجود محاسبة فعلية، ازداد عدد الأبحاث التي تم لاحقًا سحبها من قواعد البيانات العالمية، مما انعكس سلبًا على سمعة الجامعة والبلد معًا.

من ناحية أخرى، فإن مسؤولية ما جرى لا تقع على الجامعات فقط، بل على جميع الأطراف المعنية. فوزارة التعليم العالي والبحث العلمي تتحمل جانبًا من المسؤولية، إذ سمحت بترخيص برامج دون ضمان الجاهزية الأكاديمية، وأقرت أنظمة ترقية لم تعتمد بوضوح على جودة النشر ومصداقية المجلات. كما أن المجالس الجامعية والهيئات الوطنية للجودة والاعتماد لم تُحسن التعامل، في أحيان كثيرة، مع التغيرات التي طرأت على بيئة البحث العلمي العالمية، بما فيها ظاهرة المجلات المفترسة أو الاستخدام السيء للذكاء الاصطناعي في إنتاج الأبحاث.

وفي خضمّ هذا المشهد المعقّد، أجد من الضروري أن أذكر جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية على وجه التحديد، لا من باب التحيز، بل لأنني أنتمي إليها وأتابع عملها عن قرب، وأعلم أن ما تحققه من إنجازات بحثية يستحق الإنصاف. نعم، ورد اسمها في قاعدة بيانات الأبحاث المسحوبة، لكن الحالات التي سُجلت ضدها معدودة، وهي لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جدًا من حجم إنتاجها العلمي الكبير. هذه الجامعة، ومن خلال بنية بحثية متقدمة، وكادر أكاديمي مؤهل، وإجراءات مراجعة صارمة، استطاعت أن تتفوق بوضوح على بقية الجامعات الأردنية في مجال البحث العلمي، كما ونوعًا. كما حافظت على مكانتها ضمن مؤشرات دولية مرموقة مثل Nature Index، وهذا ليس نتاج صدفة، بل جهد مؤسسي طويل.

ومن المهم هنا أن نُحذّر من الخلط بين هذا المؤشر وغيره من مؤشرات التصنيف الأكاديمي، فربط نتائج مؤشر النزاهة البحثية بمكانة الجامعة في التصنيفات العالمية هو تبسيط مخلّ. فالمؤشر لا يقيس مستوى الجامعة ولا سمعتها الشاملة، بل يسلط الضوء على جانب معيّن من الأداء البحثي، يحتاج إلى تحسين وتدقيق، لكنه لا يُلغي مجمل الجهود العلمية والتعليمية المبذولة.

أخيرًا، إن الحديث عن نزاهة البحث العلمي يجب أن ينطلق من رؤية نقدية مسؤولة، لا من ردّ فعل إعلامي أو سياسي. المطلوب ليس الدفاع الأعمى عن الجامعات، ولا شيطنتها، بل بناء بيئة علمية تقوم على الشفافية، وتحترم التخصص، وتحاسب المخطئ، وتشجع المجتهد، وتعيد الاعتبار للقيم الأكاديمية الحقيقية. التحدي اليوم هو أن نطرح الأسئلة الصحيحة، ونواجه المشكلات بشجاعة، ونُميّز بين حالات فردية قابلة للتصحيح، وبين خلل منهجي يحتاج إلى مراجعة عميقة. وبدون هذا التمييز، سنظل ندور في حلقة مفرغة من الاتهامات والتبريرات، بينما يضيع جوهر القضية وهو أن البحث العلمي لا يُقاس بعدد الأوراق، بل بنزاهة الجهد، وصدق الغاية، وأثر المعرفة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :