مجموعة بريكس (BRICS) وصعود نظام عالمي جديد: تحوّلات على الأردن أن يقرأها بتمعّن
م. عمار آل خطّاب
14-07-2025 06:14 PM
مع تنامي صعود مجموعة بريكس وصعودها كلاعب رئيسي مؤثر في النظام الاقتصادي العالمي، يُحتّم على دول مثل الأردن أن تتعامل مع هذه التحوّلات بمنهجية ورؤية استراتيجية، والمتابعة الدقيقة باتت ضرورة وطنية.
اختتمت قبل أيام أعمال قمة دول "بريكس" في البرازيل، وسط اهتمام عالمي متزايد بدور هذه المجموعة الصاعدة وتأثيرها المتنامي على الاقتصاد والسياسة الدوليين. من مجرد تكتل اقتصادي ناشئ، تحوّلت بريكس اليوم إلى منصة تسعى إلى إعادة التوازن في العلاقات الدولية، وكسر احتكار القوى التقليدية لقرار الاقتصاد العالمي.
وبالنسبة لنا في الأردن، فإن متابعة تطورات هذه المجموعة لم تعد من باب المعرفة الشكلية أو الفضول العام، بل أصبحت ضرورة اقتصادية واستراتيجية تفرضها طبيعة المتغيرات العالمية المتسارعة.
النشأة والغاية: من فكرة إلى تحالف مؤثر
تأسست مجموعة بريكس في العقد الأول من الألفية الجديدة، كتحالف يضم خمس دول ذات اقتصادات صاعدة: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا. بدأت ألفكرة كمفهوم اقتصادي نظري، لكن سرعان ما تحوّل إلى واقع سياسي واقتصادي ملموس، بعد أول اجتماع رسمي بين وزراء خارجية الدول الأعضاء عام 2006، ليتم تأسيس الكيان رسميًا عام 2009، وتنضم إليه جنوب أفريقيا عام 2010.
كان الهدف الأساسي من إنشاء المجموعة هو تحقيق توازن في النظام الاقتصادي العالمي، الذي ظل لعقود طويلة تحت هيمنة الدول الصناعية الغربية، من خلال:
- تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول الجنوب.
- إنشاء مؤسسات مالية مستقلة مثل بنك التنمية الجديد (NDB) وصندوق الاحتياطي الطارئ.
- الدفع نحو إصلاح المنظمات الدولية الكبرى مثل صندوق النقد والبنك الدولي.
التوسع الجيوسياسي وتحول بريكس إلى قوة أكبر
شهدت السنوات الأخيرة توسعًا لافتًا في نطاق المجموعة. فقد انضمت إليها دول جديدة مثل مصر، إثيوبيا، إيران، الإمارات، وإندونيسيا، بالإضافة إلى رغبة دول أخرى كالسعودية والأرجنتين والجزائر ونيجيريا في الانضمام، ما يعكس تحوّل المجموعة من تحالف اقتصادي ناشئ إلى منصة استراتيجية عالمية تستقطب مزيدًا من اللاعبين المؤثرين.
هذا التوسّع يعكس توجّهًا واضحًا نحو بناء توازن جديد في العلاقات الدولية، والابتعاد عن النظام أحادي القطب الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة والدول الغربية.
إذا تم التوسع، فإن البريكس قد تتحول إلى تكتل اقتصادي يفوق مجموعة السبع G7 من حيث الحجم السكاني والناتج.
أرقام كبرى: السكان والناتج العالمي
- تمثل دول بريكس حاليًا حوالي 46–48% من سكان العالم.
- وتنتج ما يقارب 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي الاسمي، وترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 35–41% عند احتساب تعادل القوة الشرائية (PPP).
- كما أن المجموعة مسؤولة عن إنتاج نسبة كبيرة من النفط، والغاز، والمعادن، والمنتجات الزراعية الأساسية.
هذه المؤشرات تضع BRICS في موقع استراتيجي يجعلها أحد أعمدة الاقتصاد العالمي الجديدة، ومرشحًا واقعيًا لقيادة تحولات اقتصادية مستقبلية.
بريكس هي مرحلة ما بعد الغرب BRICS is post-west ؟
يرى عدد من المفكرين والأكاديميين الصينيين أن البريكس تمثل "مرحلة ما بعد الغرب" – أي تحالف يسعى لإعادة هيكلة النظام العالمي بطريقة لا تجعل الغرب مركز الثقل الوحيد. هذا لا يعني استبعاد الغرب، بل إنهاء تفرده بالقرار الاقتصادي والسياسي العالمي.
الدور المالي للبريكس ومحاولة تجاوز الدولار
خلال قمة البريكس الأخيرة، أعلن وزير المالية الروسي أن بنك التنمية الجديد (NDB) ومقره شنغهاي قد يبدأ بتمويل مشاريع ضخمة في دول البريكس دون الاعتماد على نظام SWIFT. هذه الخطوة، إن نُفّذت، تُعد تطورًا كبيرًا ضمن مسار تقليل الاعتماد على الدولار، أو ما يعرف بـ "إزالة الدولرة" (De-dollarization).
مثل هذه الإجراءات تهدف إلى:
- تمكين التمويل والتجارة بين دول البريكس باستخدام العملات المحلية.
- إنشاء بنية مالية موازية للنظام الغربي التقليدي.
- تقليل التأثير السياسي والرقابي للغرب على المعاملات المالية العالمية.
ورغم أن هذه الخطوات لن تُضعف الدولار فورًا، إلا أنها تؤسس لتحول تدريجي قد يؤثر على مكانة العملة الأمريكية في النظام المالي العالمي خلال السنوات القادمة.
لماذا يجب على الأردن أن يهتم؟
يمثل صعود مجموعة BRICS تحديًا وفرصة في آنٍ واحد للدول النامية وغير المنضوية في تحالفات اقتصادية كبرى. فهذه المجموعة تمضي بخطى متسارعة نحو إعادة تشكيل النظام التجاري والمالي العالمي، وقد تفرض واقعًا جديدًا يؤثر على دول مثل الأردن بشكل مباشر، سواء من حيث التبادلات التجارية أو منظومات الدفع العالمية.
ومن هنا، فإن على الأردن أن يتبنّى سياسة استباقية تقوم على عدة محاور:
●متابعة تطورات المجموعة بشكل مؤسسي ومنهجي، من خلال تشكيل خلية عمل تضم وزارة الخارجية، وزارة التخطيط والبنك المركزي الأردني، ترصد وتدرس قرارات وتحركات BRICS، وتعدّ تقارير تقييم أثر دورية تُرفع إلى رئاسة الوزراء والديوان الملكي، بهدف اتخاذ قرارات مبنية على معلومات وتحليلات دقيقة.
●إعداد دراسات أثر اقتصادية ومالية، خاصة في حال حدوث تحوّلات عميقة في أنظمة المدفوعات الدولية، أو تقليل الاعتماد على الدولار، أو صعود عملة بديلة. هذه الدراسات يجب أن تشمل سيناريوهات واضحة، واقتراحات للسياسات المالية والنقدية المناسبة.
●توسيع وتنمية العلاقات الثنائية مع الدول المؤثرة داخل المجموعة، خاصة تلك القريبة جغرافيًا وثقافيًا مثل مصر، الإمارات، السعودية، والهند، من خلال:
- تفعيل الاتفاقيات التجارية الثنائية.
- تنظيم بعثات اقتصادية واستثمارية متبادلة.
- تعزيز التعاون في قطاعات مثل التكنولوجيا، الطاقة، الزراعة، والدواء.
●الانضمام كمراقب أو شريك حوار في الأنشطة الاقتصادية للمجموعة إذا ما أتيحت الفرصة، أسوة بدول بدأت تبني علاقات مرنة مع BRICS رغم عدم كونها أعضاءً رسميين.
●الاستعداد المحلي للتعامل مع تحولات التجارة العالمية، عبر:
- تنويع الشركاء التجاريين.
- تهيئة البنية التشريعية لاستقطاب استثمارات من بيئات غير تقليدية.
- بناء علاقات قوية مع بنك التنمية الجديد (NDB) لتمويل مشاريع استراتيجية.
المخاطر المحتملة في حال صعود عملة بديلة
أحد أبرز مشاريع BRICS هو إطلاق عملة جديدة موحدة أو بديلة تُستخدم في التجارة بين أعضائها، وخصوصًا في تجارة الطاقة والموارد الطبيعية.
في حال نجاح هذا المشروع:
- قد يتراجع الطلب العالمي على الدولار الأمريكي.
- وهذا التراجع سيؤثر سلبًا على الدول التي ترتبط عملاتها بالدولار، مثل الأردن.
- من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تقلبات في قيمة الدينار، وارتفاع تكلفة الواردات، وانخفاض في التحويلات المالية بالدولار.
ولذلك، من المهم أن تبدأ الحكومة الأردنية والمؤسسات المالية الوطنية بوضع خطط استراتيجية لتقليل الاعتماد على الدولار، وتنويع الشركاء التجاريين، وإعادة تقييم سياسة الاحتياطيات.
إلى أين يتجه العالم؟
مجموعة بريكس لم تعد مجرّد فكرة، بل واقع يتعزز كل عام. ومع توسّعها وتحوّلها إلى قوة اقتصادية وجيوسياسية فعلية، سيكون لصعودها أثر مباشر على النظام العالمي، وعلى الدول الصغيرة والمتوسطة الباحثة عن مكان في عالم جديد متعدد الأقطاب.
بالنسبة للأردن، وطننا العزيز، فإن فهم هذه التحولات، والاستعداد لها، والانفتاح على الفرص الجديدة، لم يعد خيارًا – بل ضرورة تفرضها معطيات الاقتصاد العالمي القادم.