هل نعمل لننجز… أم لنُبرر أننا “عملنا”؟
م. رياض الخرابشة
16-07-2025 05:15 PM
في عدد من المؤسسات، يظهر سلوك إداري شائع لكنه غير مصرح به: تقديم الحد الأدنى من الجهد الذي يضمن تجنّب اللوم دون تحقيق نتائج فعلية. فالموظف أو المدير لا يكون مقصّرًا بصورة مباشرة، ولكنه لا يسعى كذلك إلى الإنجاز الكامل، بل يكتفي ببذل جهد كافٍ يُسكت الأسئلة ويُبرئ الذمة، دون أن يُفضي إلى قيمة حقيقية.
هذه الظاهرة تُعرف في أدبيات الإدارة بـ “الحد الأدنى من الجهد” (Minimum Viable Effort)، وهي إحدى صور الأداء الذي يخدم الشكل دون الجوهر، إذ يبدو أن العمل قد تم، ولكن الأهداف لم تُحقق، والجودة لم تُراع.
وتشير هذه الحالة إلى مشكلة أعمق تتعلق بثقافة العمل المؤسسي، حيث تسود أحيانًا ثقافة الإخلاء من المسؤولية على حساب ثقافة الإنجاز. فبدلاً من أن يكون هدف الأداء هو إحداث الأثر، يصبح الهدف ألا يُقال إن هناك تقصيرًا. وتنتج عن ذلك بيئة يغلب عليها السعي إلى تبرئة الذمة، لا إلى تحقيق النتائج. وهنا تُدار الملفات لا لتُنجز، بل ليُقال إنها لم تُترك، فتتراكم القضايا وتبقى دون حلول، وتضيع الطاقة المؤسسية بين جهد مبذول ومخرجات غائبة.
الأداء الحقيقي في المؤسسات لا يُقاس بكمية الجهد، بل بجودته واتصاله بالنتائج. وتبرز هنا فجوة بين نوعين من السلوك: الجهد القابل للتبرير، والجهد القادر على التغيير. الأول يكفي لكتابة تقرير، أما الثاني فيُحدث فرقًا فعليًا في الواقع العملي. والمؤسسات الفعالة هي التي ترصد هذه الفجوة وتعمل على تضييقها.
وتُدرج هذه الإشكالية في دراسات الحوكمة المؤسسية وتقييم الأداء تحت مسميات متعددة، منها مؤشرات الأداء الوهمية (Pseudo-performance Indicators)، وسلوك تقليل المخاطر الشخصية على حساب تعظيم المنفعة العامة، والتمييز بين الجهد الدفاعي والجهد البنّاء.
في نهاية المطاف، يبقى السؤال المركزي الذي يجب أن يُطرح داخل كل منظومة عمل: هل نحن نعمل لنُنجز؟ أم فقط لنُقال إننا لم نقصر؟ فالإدارة لا تُقاس بمدى تجنّب اللوم، بل بمدى تحقيق القيمة