الدكتور جعفر حسان ورحلة التغيير بين التحديات والفرص
م. بسام ابو النصر
16-07-2025 05:49 PM
في لحظة دقيقة من عمر الدولة الأردنية، وفي ظل تصاعد التحديات الاقتصادية وضغط المتغيرات الاجتماعية والإقليمية، يأتي الدكتور جعفر حسان إلى رئاسة الحكومة بعقلية تختلف عن السائد؛ عقلية تؤمن بالتخطيط العميق لا بردود الفعل، وبالحكم كإدارة نتائج لا توزيع شعارات، وبأن هيبة الدولة تنبع من صدقها مع نفسها لا من خشونة خطابها .
جعفر حسان ليس مجرد إداري متمرس، بل رجل سياسات عامة يدرك بدقة أن نجاحه مرهون بإعادة تعريف العلاقة بين الحكومة والمواطن، وبتحقيق إصلاح اقتصادي متوازن لا يترك أحدًا خلفه، وبإرساء مبدأ أن الكفاءة لا الواسطة، هي أساس التمكين والتقدم. لكن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في طبيعة الأهداف، بل في البيئة المحيطة بفريقه، والتي ما تزال مثقلة بثقافة تقليدية ونمط تفكير أقرب إلى المماطلة منه إلى المواجهة الصريحة.
ففي ظل هذا النهج الجديد، تبدو "الحمولة الزائدة" في الفريق الوزاري عبئًا حقيقيًا على المشروع الذي يسعى حسان إلى تكريسه، خصوصًا حين يتحول بعض أعضاء الفريق إلى مصدر للتوتر الشعبي بسبب تصريحات موتورة لا تضيف وعيًا ولا تُقنع أحدًا، بل تفتح جراحًا لا ضرورة لكشفها علنًا. حتى عندما يكون هناك إجماع على أن منظومة التعليم العالي تحتاج إلى إصلاح عميق، لا يصح أن تتحول التصريحات الرسمية إلى جلد للذات أمام الرأي العام، في وقتٍ يُفترض أن تُعالج فيه بطالة الخريجين بحلول ذكية، لا بإضعاف ثقة المجتمع بمؤسساته.
وبينما يسعى رئيس الحكومة إلى إعادة هندسة القرار الإداري والسياسي، يجد نفسه أحيانًا مضطرًا إلى تصحيح الأثر العكسي لبعض الوزراء، ممن يبررون التراجع أو التقصير بتحميل الماضي كل الأوزار، وكأن بناء الدولة يبدأ من الصفر في كل مرة. كما أن بعض المواقف المعلنة حول مشاريع التحديث الإداري أو الإصلاح السياسي، تصدر بلسان لا يُقنع حتى المواطن العادي، ناهيك عن الفاعلين في المشهد العام، ما يضعف سردية الدولة ويشوّش على نواياها، ويجعل الإنجاز الفعلي عرضة للتشكيك أو التهوين، وزيادة على ذلك فإن هناك بعض الأمناء العامين يقدمون أنفسهم على أنهم صناع الإنجاز ويتجاوزون وزراءهم في الفعل ورد الفعل.
في مثل هذا السياق، يصبح من الضروري أن يلتفت الدكتور حسان إلى أهمية التوقيت والحساسية السياسية في تشكيل الرسائل الحكومية، وأن يضع في حسبانه أن ما يُقال من فمه يختلف عما يُقال من فم غيره. فالمواطن اليوم أكثر وعيًا، وأقل صبرًا، وما لم يُضبط الخطاب، ويُرشَّد الأداء، فإن أقوى المشاريع وأكثرها منطقًا ستسقط في فخ الانطباع، لا في اختبارات الواقع.
الرهان الآن على قدرة رئيس الوزراء على إعادة صياغة الفريق، ليس فقط بالأسماء، بل بالنهج، وأن يُنصت بذكاء لمستشاريه، ويقرأ الشارع كما هو، لا كما يصفه من يُجاملون أو يُهوِّنون. فلا جدوى من الحديث عن الإصلاح في ظل أصوات تُقلق الداخل، وتُربك الخارج، وتتناقض مع ما يُراد تقديمه من صورة عن دولة واثقة تسير في طريق التحديث.
ولأنه من غير الممكن إنجاز مشروع إصلاحي بعقلية تقليدية، فإن الوقت قد حان لتصفية الإرث الذي يُعيق التقدم، وإعادة تشكيل الفريق الحكومي على أساس من المهنية، والانضباط، والانسجام مع الرؤية العليا للدولة، لا على حسابات المرحلة أو الموازين المتغيرة.
الدكتور جعفر حسان يملك ما يكفي من الحنكة والدراية والرصانة ليقود تحولًا جذريًا في طريقة إدارة الدولة، لكنه يحتاج إلى أدوات تتحدث بلغته، لا تفرغها من معناها. وإن كتب لهذا النهج أن يستمر ويترسخ، فإننا أمام فرصة فريدة للعبور من الدولة المُدارة برد الفعل إلى الدولة المُنتجة للفرص. دولة لا تتعكز على ماضيها، بل تستثمر في عقلها، وتراهن على ثقة مواطنيها، وتخرج من عباءة الإنكار إلى آفاق التغيير الحقيقي..