facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




نحو هيئة وطنية للنزاهة ومكافحة الفساد


د. أحمد غندور القرعان
19-07-2025 07:29 PM

تصريح معالي وزير التعليم العالي الأخير لم يكن مفاجئًا، بل جاء ليؤكد رسميًا ما يعرفه الأكاديميون في كلياتهم ومجالسهم وممارساتهم اليومية.

التحديات التي طرحها الوزير واقعية ومباشرة: دفع المال لتحسين التصنيفات، تعيينات شكلية لباحثين، مؤتمرات دعائية، ونشر علمي يفتقر للمعايير. لكن ما لم يُذكر في التصريح هو أن هذه الممارسات، للأسف، لم تعد استثناء، بل أصبحت في بعض المؤسسات "ثقافة عمل" مقبولة ولا تُثير استغراب أحد.
يُضاف إلى ذلك مظاهر أكثر حساسية تُناقش بهمس داخل الحرم الجامعي: مشاريع تخرج تُباع، رسائل دراسات عليا تُكتب مقابل أجر، أبحاث تُنتج باستخدام أدوات آلية دون رقابة، وترقيات تُبنى على أوراق لا قيمة علمية لها. المؤلم أن هذا كله أصبح مألوفًا، بل في بعض الأحيان مقبولًا وكأنه جزء من المنظومة.

صحيح أن هذه السلوكيات موجودة في أنظمة تعليمية أخرى، حتى في الدول المتقدمة، لكنها تبقى هناك استثناءً يُحاسب عليه، لا ظاهرة يُتغاضى عنها كما هو الحال عندنا. الفرق في حجم الانتشار، وغياب المحاسبة، وتراجع ثقافة التصحيح الذاتي داخل المؤسسة. الاعتراف بالخلل هو الخطوة الأولى، أما التغيير الحقيقي فيبدأ حين نتحول من الاعتراف إلى التصحيح الفعلي.

عادت بي الذاكرة إلى بدايات خدمتي بعد إنهاء دراستي الجامعية في بريطانيا، حين التحقت بالقوات المسلحة وزاملت خريجي الجامعات الأردنية. كانوا يسبقوننا علمًا ومعرفة، رغم أنني كنت أحمل شهادة أجنبية. كان التعليم في الأردن نموذجًا يُحتذى، وكانت الجامعات تخرّج كفاءات تصدّر المعرفة للدول الأخرى. أما اليوم، فلا يكاد يخلو مجلس أو لقاء من ترديد عبارة واحدة: "التعليم خربان". وما يُؤسف له أن هذه العبارة لم تعد مبالغة. فقد أصبحت خلال فترة خدمتي القصيرة في هذا القطاع، شاهدًا على مظاهر الفساد الأكاديمي التي لم تعد مجرد أحاديث عابرة، بل ممارسات يومية، تُمارس في وضح النهار، دون رقيب أو محاسبة. الفساد الأكاديمي لم يعد استثناءً، بل أصبح واقعًا مقبولًا، وتحوّل إلى ثقافة تسللت إلى البنية التعليمية، وتكاد تُصبح من الأعراف التي لا يجوز الاقتراب منها أو مساءلتها. ولا يمكن الحديث عن إصلاح حقيقي دون الاعتراف بهذا الواقع، ومواجهته بشجاعة، دون مواربة أو تزييف.

الجامعات لا تملك آليات فعالة للمساءلة الداخلية، وغالبًا ما تُغلق الملفات الحساسة بدافع المجاملة أو الخوف من الإحراج المؤسسي. الجهات الإشرافية الرسمية، بما فيها مجلس التعليم العالي، تفتقر إلى أدوات رقابية مباشرة، وتبقى قراراتها في إطار السياسات العامة دون متابعة تنفيذ حقيقية.
أدعو إلى إنشاء هيئة مستقلة للنزاهة ومكافحة الفساد الأكاديمي، أو إلى إنشاء مديرية مختصة ضمن هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، تُعنى تحديدًا بملف التعليم العالي، وتُمنح صلاحيات التحقيق والتدقيق، وتصدر تقاريرها علنًا، وتُحيل القضايا الجسيمة للنائب العام. كما أدعو هيئة الاعتماد وضمان الجودة إلى التعاون مع هذه الهيئة أو المديرية لوضع مؤشر وطني للنزاهة الأكاديمية، يُربط بالتمويل والاعتماد وتصنيف الجامعات، ويُحدّث سنويًا وفق آلية شفافة ومعلنة. لا يمكن إصلاح التعليم العالي بشعارات عريضة أو حملات موسمية. لا بد من مؤسسة دائمة، مستقلة، فاعلة، تتعامل مع الواقع بجرأة، وتُعلي معيار الكفاءة والعدالة.

وقد يُطرح هنا سؤال مشروع: هل يشكل وجود هذه الهيئة أو المديرية تدخلاً في استقلال الجامعات؟ الجواب لا. الاستقلال الأكاديمي لا يعفي من المساءلة. الاستقلال لا يعني غياب الرقابة، بل يعني حماية حرية التعليم والتفكير من التدخل السياسي أو الإداري، دون أن يتحول إلى حصانة للفاسدين. الجامعات تُموَّل من المال العام، ومخرجاتها تؤثر على الأمن الوطني والمعرفي، وبالتالي تخضع – كأي مؤسسة عامة – للمحاسبة من جهة مستقلة. المطلوب هو الموازنة بين حماية استقلال المؤسسة الأكاديمية، وبين مساءلتها عن أدائها ونزاهة قراراتها. والهيئة المستقلة أو المديرية المتخصصة، إذا صُممت بشكل مهني ومحايد، ستكون أداة لضبط الأداء، لا لتعطيله.

إذا لم نواجه الفساد الأكاديمي الآن، فسندفع ثمنه لعقود، من تراجع البحث، وانهيار الجودة، وفقدان الثقة بمؤسساتنا.

هذا القرار لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :