الاستقواء بالعدو .. وهمٌ مدمرٌ لا يبني أمناً ولا يصنع كياناً
م. بسام ابو النصر
20-07-2025 12:14 AM
لم يكن الاستقواء بالعدو في يوم من الأيام خياراً ناجعاً لأي مكون عربي، بل على العكس، كان دائماً مدخلاً للخراب والانهيار والاقتتال الداخلي. وقد عبّر الزعيم اللبناني وليد جنبلاط، أحد أبرز الشخصيات الدرزية، عن هذه الحقيقة حين قال بوضوح إن الاستقواء بإسرائيل في لبنان لم ينتج إلا حرباً أهلية مدمّرة، عانى منها الجميع، وعلى رأسهم أبناء الطائفة الدرزية أنفسهم.
ومن هذا المنطلق، فإن ما يجري اليوم في محافظة السويداء السورية من قتل وتدمير وسلب ونهب وتفكك في البنية الاجتماعية، ليس إلا نتاجاً أولياً لهذا المنطق الخطير، منطق الارتهان إلى عدو تاريخي أثبت في كل محطة عداءه للمجتمعات العربية بكل مكوناتها.
ونحن هنا، من موقع الإيمان بالعروبة الجامعة، نخاطب أهلنا من عشائر بني معروف، ندعوهم إلى تحكيم لغة العقل ومؤكدين لهم أن الذاكرة الوطنية ما زالت تحتفظ باعتزاز بما قدمته هذه القبائل العريقة بقيادة زعيم الثورة السورية، سلطان باشا الأطرش، دفاعاً عن عروبة سوريا واستقلالها. تلك الثورة التي لم تميّز بين جبل وسهل، ولا بين طائفة وأخرى، بل كانت ثورة كل السوريين في وجه المستعمر الفرنسي، وراجين العودة لاربع قرون عندما جاء اشقاءنا الدروز مهاجرين الى جبل العرب من الاضطهاد الذي واجهوه وكيف احتضنهم السوريون في جنوب شرق سوريا، ولم يشهد التاريخ خلال هذه الفترة ان كان هناك اي ظلم او تنمر لحق بهم. كما أننا نوجه الدعوة كذلك إلى القبائل العربية الأصيلة التي ساهمت في الماضي بمنع المستعمر من اتخاذ بادية الشام مرتكزاً لفرض أجندته؛ فما أحوجنا اليوم إلى استعادة هذه الروح، روح النخوة والوحدة ورباطة الجأش، لنحمي سوريا وهي تخطو بثبات نحو التعافي، دون أن نجعل من أرضها لقمة سائغة لطيران العدو أو لجيوشه.
إن ما لم تستطع إسرائيل أن تحققه في فلسطين خلال أكثر من سبعين عاماً، وما عجزت عن فرضه على الأمة العربية رغم الحروب والمؤامرات، لن تحققه في متر واحد من الجغرافيا السورية. وستبقى، كما كانت، خارج هذه الجغرافيا وخارج التاريخ، مهما امتلكت من أدوات البطش والفتنة. فآلة القتل التي تستقوي بها على شعوبنا في سوريا والعراق واليمن وفلسطين ستنضب يوماً، لكن إرادة الشعوب، وهذا السيل العارم من البشر الذين يتعاظم الكره في داخلهم للعدو، هي التي ستبقى وتصنع النصر.
وهنا، لا بد من التأكيد على موقف الأردن الثابت والتاريخي، الذي لم يكن يوماً إلا مع وحدة التراب السوري، ومع الحفاظ على سوريا دولة موحدة لكل أبنائها. فالأردن، كما عُرف عنه، لن يسمح لأي فصيل أن يستقوي على فصيل آخر في ظل مكون سوري واحد يتطلع إلى المستقبل ويحمي أبناءه. وسيبقى داعماً لقيادة سورية تتعامل مع جميع مكوناتها بروح الحياد الوطني، وترى في الأقليات عناصر قوة ومصدر ثراء للدولة السورية الحديثة، لا عبئاً عليها.
ليس هناك – كما تحاول بعض الروايات الاسرائيلية أن توحي – حالة استقواء لأغلبية على حساب أقلية، بل على العكس تماماً، فالجميع اليوم تحت عباءة الدولة الوطنية ، وهذا ما يبطل أسطورة الدولة الطائفية التي تروّج لها إسرائيل لتبرير تدخلها. إن من يزرع الفتنة باسم حماية الأقليات هو ذاته من يسحق العرب كأقلية ويهجرهم من أرضهم، كما يحدث في فلسطين، وهو ما يكشف زيف روايته وخبث مشروعه.
لا أحد يريد للدروز أو لغيرهم من مكونات الشعب السوري أن يكونوا وقوداً لصراعات لا تعنيهم، أو رهائن لأجندات خارجية. بل نريد لهم أن يكونوا شركاء حقيقيين في وطن واحد موحّد، ضمن معادلة تحفظ لهم دورهم وحقوقهم، وتكرّس التعددية في إطار الانتماء القومي الجامع.
إن ما تشهده سوريا اليوم هو بداية مرحلة جديدة، تستعيد فيها الدولة مكانتها ووحدتها، بعد سنوات من التفكك والصراع. وهي مرحلة لا تقبل الاستثناءات، ولا التسويات القائمة على الاستقواء بالأجنبي. من أراد أن يكون جزءاً من سوريا المستقبل، فعليه أن يدخلها من بوابة المواطنة، لا من نوافذ الاحتلال.
لقد أثبت التاريخ مراراً أن من يزرع الفتنة بين مكونات الأمة هو نفسه من يقتات على دمها، ولن يكون يوماً شريكاً في أمنها واستقرارها.
فلتكن دروس التاريخ واضحة..
ولتبقَ سوريا موحّدة، منيعة، وصامدة بأهلها، لا بأعدائها.