facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الأردن: توازن العاقل في زمن الاختناق الإقليمي


د. نعيم الملكاوي
23-07-2025 08:53 AM

الإقليم الذي بات يُدار بالنار والصفقات ، لا تزال هناك دول تمشي على الحافة ، لا تملك ترف الصراخ والعويل ، ولا تملك خيار الانكفاء .

الأردن ، هذه الدولة التي وُضعتها جغرافيتها على فوهة الأزمات ، وتمتد حدودها على شرايين النزاع العربي ، لم تعد تملك رفاهية الانتظار ، لكنها في الوقت نفسه لا تُغامر بالمجهول .

لا يُعلن نفسه حَكماً في الملعب ، لكنه حاضر في كل لحظات الحدث ، وفي كل فرصة تهدئة ، كأنه " الصوت العاقل في زمن العبث " .

بين المحاور… وتحت المجهر ، لعب الأردن لعقود طويلة على حبال التوازن وحافة السيف دوراً رائداً من الدبلوماسية الذكية ، ونجح ـ حتى اللحظة ـ في البقاء خارج الاصطفافات الحادّة ، رغم انغماسه العميق في المشهد الإقليمي .

فمن جهة ، هو حليف للولايات المتحدة ، ملتزم بمعاهدات السلام ، منفتح على الغرب ، متزن الأداء ، ومن جهة أخرى ، لا يستطيع الانفكاك عن محيطه العربي الملتهب ، ولا عن الممرات الأمنية والاقتصادية التي تمرّ عبره وتفرض عليه معادلات غير قابلة للتهرّب .

وفي خضمّ التغيّرات ، حافظ الأردن على ما يمكن تسميته بـ" الحكمة الدفاعية والعقلنة الرادعة " التي يفتقدها غيره ؛ فهو لا يتورط ، لكنه لا يتراجع . لا يتقدم نحو الاستفزاز ، لكنه لا يسكت أمام التهديد .

الجغرافيا التي لا ترحم ، أن تكون جاراً لفلسطين المحتلة ، ولسوريا المنهكة ، وللعراق المُمزق ، يعني أنك أمام معادلة لا يُمكن كسرها : إما أن تُتقن فنّ التوازن ، أو أن تندرج في طابور الصراع .

الأردن اختار منذ البداية طريق السيطرة الهادئة ، رغم ضغط الجغرافيا والتاريخ والديموغرافيا .

فكل حريق يُشعل المنطقة يترك رماده على ثوبه ، وكل عبور للدمار يمرّ عبر حدوده . ومع ذلك ، لا تزال عمان واقفة شامخة ، تتنفس ببطء ، وتقرأ بعين الشكّ كل ما يدور بيقين وبوعي قيادة لا تلين .

القضية الفلسطينية… هوية لا تقبل التفاوض ، في زمن يُغني فيه كثيرون على ألحان التطبيع ، ويُفتّشون في " الهندسة الإقليمية " عن مستقبل لهم بلا فلسطين ، يرفض الأردن أن يكون جزءاً من تلك المتاهة .

الوصاية الهاشمية على القدس ليست مجرد ملف سيادي ، بل امتداد لهوية سياسية وروحية وأخلاقية . الأردن يُدرك أن " حلّ القضية " وفق المعايير الدولية الجديدة يعني إلغاءه المعنوي قبل الجغرافي وقد تصل الى محاولة التعدي على هويته التاريخية المتجذرة وسيادته .

لذا ، فإن صمته أحياناً ليس ضعفاً ، بل حساب دقيق لخطورة الإفصاح في وقت الافتراس ، ولسان حاله يقول : " الهدوء ليس قبولاً … بل رفض لا يريد أن يُقال بصوت مرتفع " .

في مشهد النار بين إيران وإسرائيل ، حين اشتعلت السماء مؤخراً بين طهران وتل أبيب ، لم تكن عمان بعيدة عن الحسابات . الحدود الشمالية ارتجفت ، والطائرات المسيّرة مرّت ، والخرائط الاستخباراتية تغيّرت .

لكن ، وكما اعتاد ، لم يدخل الأردن في بيانات التحدي بين الأطراف ، ولا في مناورات الصوت العالي . اكتفى بالمراقبة الميدانية الدقيقة ، ورفع درجة الجاهزية ، والتعامل مع " التهديد " كرجل مطافئ يقف بجانب برميل بارود لا يملكه ، لكنه يعرف جيداً متى وكيف ينفجر وكيف يتعامل مع أثاره .

وأما الوضع الاقتصادي … في ظل المعركة الصامتة ووراء كل المواقف السياسية الهادئة ، تقف أزمة اقتصادية صاخبة لا تغيب عن المشهد .

فالأردن محاصر بديونه ، مرتهن بتمويله ، ومتأرجح بين إصلاحٍ يوجع ، واستقرارٍ لا يحتمل المفاجآت .

لكنه رغم كل ذلك ، لم يُفرّط بأولوياته الكبرى ، ولم يمدّ يده لمن يحاول شراء المواقف .

اختار أن يدفع الثمن الاقتصادي على أن يخسر ثوابت السياسة ومواقفه التاريخية ، حتى لو بدا ذلك صمتاً لمن لا يفهم معنى الصبر الاستراتيجي وفن إدارة الممكن .

حين يسير العقل وسط الجنون والانفلات ، في زمنٍ تُدار فيه السياسات بالكاميرات والطائرات المسيّرة ، وتُرسم الخرائط على موائد السماسرة ، يظهر الأردن كحالة استثنائية :

لا يملك سلاح الردع النووي ، ولا شبكة الغاز العابرة للقارات ، ولا ثروات تغري بالولاء ، لكنه يملك شيئاً آخر… " بوصلة العاقل في زمن الجنون " .

الأردن دولة لا تصنع الزلازل ، لكنه يعرف كيف يقرأ ارتداداتها ، ولا مركزاً للقرار العالمي ، لكنه يعرف أين يقف من كل عاصفة ، ومتى يلوّح ، ومتى يصمت ، ومتى يُعلن أن الخط الأحمر ليس فقط بالأمن … بل بالكرامة .

فهل ينجح الأردن في الحفاظ على توازنه وسط الزلازل القادمة ؟

أم أن خريطة الإقليم الجديدة ستجعل من الصمت ترفاً ، ومن الحياد خيانة ، ومن التوازن ضعفاً ؟

ربما لم يُكتب بعد الجواب …

لكن الأكيد أن الأردن لم ينسَ كيف يُصغي لصوت العقل ويدير بوصلته … في زمنٍ لم يعد العقل فيه مسموعاً ، فلقد حباه الله بشعب يعرف كيف يلتف حول العقلنة بقيادته الواعية .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :