طوبى لمن أطعم غزة .. ومجدٌ للأردن
أ.د. أحمد منصور الخصاونة
23-07-2025 08:48 PM
منذ أن ضُرب الحصار الظالم على قطاع غزة، والقلوب العربية النبيلة لا تهدأ، والضمائر الحيّة لا تنام. هناك، في أقصى الجنوب الفلسطيني، شعبٌ صابرٌ ثابت، يُعاني من القهر والجوع والحصار، لكنه لا يُساوم، ولا يُفرّط، ولا يُنكّس رايته. وهنا، في الضمير العربي، رجالٌ ونساءٌ، لم تقهرهم الجغرافيا، ولم تفتّ من عزيمتهم حدودٌ مصطنعة، فكانت قلوبهم ومواقفهم جسورًا من نور تصل غزة رغم الألم والعجز والجراح.
طوبى لمن أطعم غزة… وطوبى لمن كسر جدار الصمت بحمولةِ تمرٍ أو كيس طحين أو جرعة دواء. طوبى لكل يدٍ حملت الخير وامتدت نحو الشريط الضيّق المحاصر، تُعانق شعبًا جريحًا، وتمنحه قليلاً من دفء الإخاء ونبض العروبة. ليس الطعام وحده ما يُشبع، ولكن الإحساس بأن هناك من لا يزال يشعر، من لا يزال يُدرك معنى أن تكون غزة رمزًا وعنوانًا للكرامة والمقاومة والصبر الجميل.
لقد بات إدخال الطعام إلى غزة اليوم عملاً من أعمال البطولة، وموقفًا إنسانيًا وأخلاقيًا، يُعادل في وزنه السياسي والرمزي كل البيانات والتصريحات. من استطاع أن يُدخل شاحنة غذاء، أو يُرسل حليبًا لطفلٍ رضيع، أو يداوي جُرحًا، فقد انتصر للإنسانية، ووقف مع الحق في وجه آلة البطش والإبادة التي ما فتئت تنهش أجساد الأبرياء بلا رحمة.
وإننا إذ نُشيد بكل من ساهم وسيساهم في كسر هذا الحصار، فإننا نخصّ بالذكر الأردن العزيز، وطن النخوة والمروءة والوفاء. طوبى للأردن الأبي، أرض النشامى، قيادةً وشعبًا، إذ لم يتوانَ يومًا عن الفزعة، وكان على الدوام سندًا لغزة، وظهيرًا لأهلها، ورفيقًا في المحنة قبل الرخاء.
منذ الساعات الأولى للنكبة الإنسانية التي تشهدها غزة، لم تغب المملكة الأردنية الهاشمية عن المشهد. كانت حاضرة، بقلبها وضميرها، بإرادتها ومبادراتها، بطواقمها الطبية، وبجسور المساعدات التي لم تتوقف، رغم التحديات والصعاب. لقد رأينا الأردن الرسمي والشعبي، يتقدّم الصفوف، يتجاوز الحواجز، ويثبت بالفعل قبل القول، أن فلسطين ليست قضية سياسية فقط، بل هي وجدان، والتزام، وعقيدة في قلب الدولة وضمير المواطن.
سيُكتب في صحائف المجد أن الأردن عبر، وأطعم، وداوى، وواسى، وظلّ على العهد، حتى تنجلي الغمة، وتعود غزة حرّة أبية. سيُروى للأجيال أن الشاحنات التي انطلقت من عمان لم تكن محمّلة بالغذاء فقط، بل كانت محمّلة بالعزة، والكرامة، والتاريخ المشترك، والمصير الواحد. كان الأردن، كما عهدناه، أوفى من يواسي الجراح، وأسبق من يهبّ للنجدة، وأصدق من يُعبّر عن ضمير الأمة إذا ما تلعثمت الكلمات وسكتت الأبواق.
ولذلك نقول: حفظ الله الأردن، قيادةً هاشميةً حكيمة، وشعبًا وافيًا كريمًا، يثبت في كل مرة أنه في قلب العروبة، وضمير الأمة، وركن الثبات في زمن التردد والخذلان. هذا هو الأردن الذي نعرف، والذي نفاخر به، والذي كتب على رايته منذ التأسيس: المجد لله، والوفاء للأمة، والولاء للحق.
وغزة، كما عهدناها، لا تنسى، ولا تُخطئ بوصلتها. تحفظ الوفاء لأهله، وترد التحية بالدعاء، وتردّ المعروف بثباتها وصمودها. وستبقى، رغم الجراح، عنوان العزة ومحراب الصبر، تنحني أمامها الأقلام، وتتقاصر عند عتبتها الخطابات الجوفاء.
وفي الختام، نُجدّد القول: طوبى لكل من أطعم غزة، وطوبى لكل من حمل في قلبه همّها، وطوبى لكل من سيُسهم في فكّ حصارها يومًا ما. وطوبى لنا بأردنّنا، وطن العزم والرجال، منارة الأخلاق، وسيف العدل، ونخوة المروءة، التي لا تنكسر ولا تنطفئ.