الأردن يتقدّم .. وقافلة العزم تشقّ الظلام إلى غزة
كابتن اسامة شقمان
24-07-2025 01:18 PM
في زمنٍ تتكاثر فيه البيانات وتقلّ فيه الأفعال، خرجت من الأردن رسالة صامتة لكنها مدوّية، كتبتها ستٌ وثلاثون شاحنة، وانطلقت شمالاً نحو غزة. لم تكن هذه القافلة مجرد استجابة إنسانية، بل إعلان موقف، وتجسيد حيّ لمعنى الالتزام والكرامة.
بتنسيق محكم بين الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية والقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، وبدعم من منظمة "المطبخ العالمي"، تجاوزت القافلة العوائق اللوجستية والتوترات الأمنية، واخترقت خطوط الجمود عبر معبر زيكيم، حاملة معها ما يتجاوز المساعدات: حاملة روحًا من التضامن الفعّال، وإرادة ترفض الاستسلام لمنطق الانتظار.
لقد قدّم الأردن من خلال هذا التحرك نموذجًا مختلفًا، لا يعتمد على الشعارات ولا يركن إلى التمنيات. بل اتخذ موقفًا عمليًا، جريئًا، ينتمي إلى أخلاق الدولة التي لا تنسى مسؤوليتها تجاه من يعانون، مهما بلغ تعقيد المشهد.
الجيش العربي الأردني، الذي طالما عرفته المنطقة قوةً متزنة، أثبت مرة أخرى أن الكفاءة ليست فقط في ميادين القتال، بل في المواقف الإنسانية الصعبة. أظهر احترافه، ودقة تنسيقه، وإصراره على تنفيذ المهمة بروح عالية من الالتزام والانضباط. هيبة لا تحتاج إلى استعراض، وإنما تفرض حضورها بالفعل المتقن والقرار الصلب.
هذه القافلة لم تكن موجهة إلى غزة فحسب، بل إلى كل من يظن أن التحرك مستحيل، وأن الجغرافيا أقوى من الإرادة. لقد أثبت الأردن أن الطريق إلى الفعل لا يُفتح بالتصريحات، بل بالشجاعة. وأن دعم الشعوب المحاصرة لا يكون بالأسى فقط، بل بالوصول إليهم، رغم كل شيء.
ومن هنا، تبرز هذه الخطوة بوصفها أكثر من مبادرة مؤقتة؛ إنها دعوة لنهج دائم، ومسار يجب أن يتسع، لا أن يتقلص. دعوة لأن يتحول الموقف الأردني إلى مثال تحتذي به دول أخرى، تملك القدرة ولكنها تنتظر من يحركها.
في زمنٍ صار فيه الحياد نوعًا من التواطؤ، تقدّم الأردن كقوة فاعلة تُفضّل الصمت النبيل على الضجيج العاجز، والفعل المسؤول على المواقف المجتزأة. وهو بهذا، يعيد تعريف الدور العربي في واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا على الضمير الإنساني.
كل التحية لمن حملوا على عاتقهم هذا الفعل. كل الاحترام لأولئك الذين فضّلوا السير في طرق معقدة، بدلًا من الاكتفاء بالتعاطف. والجيش العربي الأردني، كما عهده أبناء الأمة، يظل دائمًا حيث يجب أن يكون: حاضرًا في ميادين الكرامة، حاسمًا في لحظات الغياب الجماعي.
الأردن لم يقل الكثير، لكنه فعل الكثير. وها هو يُثبت من جديد أن المواقف تُقاس بما يُنجز، لا بما يُقال.