أثر الانقلاب العسكري الأول في العراق على المشرق العربي
راما شعث
28-07-2025 03:31 PM
شكل انقلاب بكر صدقي فـي العراق عام 1936م حــدثًا مفصليًا في تاريخ المشرق العربي ، بوصفه أول انقلاب عسكري ناجح فــي المنطقة ، فقد مهد الطريق لتدخل الجيش في السياسة، وأحدث ردود فعل متفاوتة من قبل دول المشرق العربي التي كانت هي الأخرى تمر بمرحلة من التحول السياسي تحت وطأة الإنتداب، حيث تناول هذا البحث شرحًا مفصلًا للإنقلاب والسياسة التي اتبعها كل من بكر صدقي وحكمت سليمان في تصفية خصومهم ، وركز على شخصيات سياسة لعبت دورًا بارزًا فيه ، واعتبر هذا الإنقلاب بداية سلسلة من الإنقلابات في المنطقة العربية ، والذي لم يأتي إلا نتيجة الخلافات التي كانت بين الأحزاب والقادة العسكريين المنقسمين بين جهات مؤيدة للاستقلال التام عن بريطانيا وأخرى تراعي مصالحها وبين تيارات يسارية وعروبية، واستمرت حتى تولي ياسين الهاشمي ، حيث أنه واجه الكثير من المناوئين له والطامعين بالسلطة من أمثال بكر صدقي وحكمت سليمان .
ويمكن تسليط الضوء على موقف دول المشرق العربي من هذا الإنقلاب ، إذ يعكس طبيعة العلاقات العربية التي سادت انذاك، وموقفها من المؤسسة العسكرية على نحو عام ، وتأثيرها على مصالحها القومية.
ولابد من الإشارة إلى فرضية مفادها أن موقف دول المشرق العربي من انقلاب بكر صدقي لم يكن موحدًا بل تباين تباعًا لمحددات سياسية وأمنية مرتبطة بكل دولة عربية، وبرز هذا الدور بوضوح من خلال الصحف التي كانت منتشرة في الدول العربية انذاك، فقد أحدث الانقلاب ضجة كبيرة في دول المشرق العربي ، حيث أخذت الصحف العربية تنشر اّرائها حول هذا الموقف ، وفسّرت الإنقلاب على أنه وسيلة للخروج من الأوضاع السياسية المتدهورة التي سادت العراق، ووصفت النظام الملكي بالضعف والعجز عن ادارة البلاد، وعبرت الصحف عن خشيتها من تأثيره على الحريات والحياة الديمقراطية .
لقد وقف العالم العربي بحالة دهشة من هذا الانقلاب الذي دبره بكر صدقي لإقالة الوزارة الهاشمية، أذ أنه لم يكن هنالك مواقف رسمية واضحة للحكومات العربية ،لأنها كانت خاضعة في معظمها للإنتداب ، لكن الصوت الوحيد الذي اهتم بالإنقلاب هم المثقفين الذين خرجوا من صلب هذه الدول ،حيث راحت الصحف العربية تنقم على هذه الحركة، وترى فيها خطرًا على العرب وقضيتهم، فما كان موقف الوزارة العراقية والمتمثلة بحكمت سليمان تغيير وجهة النظر العربية الموجهة إليها ،فانتدبت عنها الاستاذ رُفائيل بُطي، الذي كان صاحب جريدة "البلاد " . لدعوة الصحفيين العرب من الأقطار العربية المجاورة فلسطين ومصر وبيروت والشام لزيارة العراق ،وبالفعل توجه الاستاذ روفائيل بطي إلى القاهرة بحجة تأسيس مكتب لجريدته ، فبدأ بنشر مقالات يمدح بها وزارة الإنقلاب، وبالفعل زار كل البلدان العربية، واستطاع بذكائه أن يقنع الصحفيين في هذه البلاد لزيارة العراق، وقد جاء هؤلاء للعراق وطلب منهم حكمت سليمان بضرورة تكذيب كل الأخبار التي وردت والمتضمنة بقيام الوزارة بمصادرة أملاك ياسين الهاشمي ونوري السعيد ورشيد عالي بك الكيلاني، مؤكدًا بأن وزارته تتوخى العمل بالدستور وتتابع قضية الإصلاح المصيري للعراق وشعبه ،وكان ذهابهم وايابهم على حساب الحكومة وخزينة الدولة ، وقد قامت الوزارة برشوة هؤلاء بالدنانير ، ليكتبوا مواقف الوزارة الإيجابية ، للتأثير من خلال صحفهم على شعوب الدول العربية تجاه موقفهم وفكرتهم من حكومة الإنقلاب .
أحدث الانقلاب ضجة كبيرة في دول المشرق العربي ، حيث أخذت الصحف العربية تنشر اّرائها حول هذا الموقف ، وفسّرت الإنقلاب على أنه وسيلة للخروج من الأوضاع السياسية المتدهورة التي سادت العراق، ووصفت النظام الملكي بالضعف والعجز عن ادارة البلاد، وعبرت الصحف عن خشيتها من تأثيره على الحريات والحياة الديمقراطية .
يستنتج مما سبق أن الانقلاب الذي قام به بكر صدقي تمحور حول تحقيق أهدافه الشخصية والوصول إلى السلطة ، ويظهر ذلك بوضوح بعيد تسلم حكمت سليمان وزارته وسيطرته علـى زمام الأمور بالدولة.
حيث كانت الأوضاع التي عاشها العراق والمتمثلة بعدم الاستقرار السياسي و ضعف الحكومات وتعدد الوزارات والصراعات بين الأحزاب والنخب السياسية قد مهدت الطريق لبكر صدقي للقيام بالإنقلاب ، هذا وبالإضافة إلى حالة الركود الإقتصادية التي أدت بدورها إلى ارتفاع نسب البطالة وتنامي الفقر وانتشار حالة من الفساد الإداري والمالي داخل البلاد ، وكانت هذه العوامل مجتمعة الممهد الفعلي للإنقلاب .
وقد كان للسياسيين العراقيين دورًا كبيرًا في نجاح الإنقلاب من أبرزهم ( حكمت سليمان)، والذي اعتُبر شخصية محورية في الإنقلاب ، حيث بعد نجاح الانقلاب وتوليه الوزارة حاول منح الحركة شرعية دستورية ومدنية، واستطاع بالإنقلاب أن يتخلص من خصومه السياسيين ومصادرة أموالهم مثل: نوري السعيد ورشيد عالي الكيلاني ، سيما وأنه استفاد من قوة الجيش لدعم ماّربه السياسية .
حيث أثر الإنقلاب على الحياة السياسية فيما بعد، حيث أصبح الجيش فاعلًا رئيسًا في السياسة ، ومهد لإنقلابات لاحقة مثل : انقلاب 1941م الذي قام به رشيد عالي الكيلاني ، حيث قلص بدوره مبدأ عمل البرلمان والأحزاب ، ثم وأصبحت الوسيلة الرئيسة لتغيير الأوضاع القائمة والسلطة هي الإنقلابات .
وعلى الرغم من ذلك كــان موقف دول المشرق العربي متباينًا من هذا الإنقلاب ، بحيث كانت الوسيلة التي مثلت وجهة النظر العربية هي" الصحف"، التي أخذت تنشر مقالاتها لتسليط الضوء على الإنقلاب، سيما وأن الموقف العربي يشوبه حالة من الإستغراب ، فمثلاً سوريا اتخذت موقف معارض للإنقلاب تمثل ذلك من العراقيين المقيمين بدمشق، وقيام العراقيين المقيمن بمظاهرات تعبيرًا عن حالة الغضب التي أصابتهم ، بينما لبنان سخطت على حكومة الإنقلاب بسبب ما قامت به من أعمال لموظفيها العرب اللبنانيين ،رأت أنه سيؤثر على الناحية العربية الإقليمية ،سيما وأن العراق البلد العربي الأول الذي نال الاستقلال، و عارضت الانقلاب مصر، إذ أنه لم يكن هنالك تأييد رسمي للإنقلاب، وكانت ترى أن الجيش ينبغي أن يكون بعيدًا عن السياسة، بينما فلسطين كان يهمها من ناحية قومية عربية لأنها كانت تخشى من تغير موقف العراق في الدفاع عن القضية الفلسطينية.