facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إلى الأستاذ أحمد سلامة .. ومقام الكلمة حين ترتدي أناقتها في الحزن


م. بسام ابو النصر
29-07-2025 10:38 PM

قرأت مقالك الأخير الذي حمل عنوان "زياد غير ولبنان غير "، فلم يكن مجرد تأبين لمبدع راحل، بل استعادة مشهدية لحالة لبنانية خالصة، يختلط فيها الحزن بالجمال، والفقد بالكرامة، والعزاء بالموسيقى، قرأت نصّك الموجع عن جنازة زياد الرحباني، وكأنك تكتب عن وجع شخصي نعيش جميعًا تداعياته.

كان مقالك مأتماً أنيقاً آخر لزياد، و درساً في الأدب السياسي الإنساني، حين لا تكون المفردة مراوغة ولا الموقف مداهنة، بل صادقة كدمعة محرّمة، حائرة على وجنة أوطاننا .
تقول يا أستاذ أحمد: "لبنان لها أناقتها الخاصة في الموت، في الغناء، في مقاومة المحتل ، في شجر الأرز، في الخصومة، في الحنين، في تشييع فنانيها كما يُشيَّع الملوك"
وأقول: نعم، هذا ما رأيناه في جنازة زياد… لكنّي شهدت ذات هذه الأناقة ذات يوم بعيد، حين كانت فيروز بيننا، في جرش عام 1983، حين رافقها زياد شاباً في عنفوان الصمت والعبقرية، يقود الفرقة الموسيقية في ليلة لا تشبه الليالي.

كنت وقتها طالباً في جامعة اليرموك، مشاركاً في لجان المهرجان، حين قُدّر لي أن أرافق السيدة فيروز في حركتها بين الفندق وموقع الحفل، برفقة الفنانة الكبيرة نضال الأشقر، مديرة أعمالها حينها. وفي الطريق من الفندق الى البحر الميت.

لم تكن تحكي كثيراً، لكنّها كانت تدندن بصوت خافت أغنية "اسوارة العروسة"، تلك الأغنية الوطنية العذبة التي كتبها جوزيف حرب ولحّنها فيلمون وهبي، وأدارها زياد، الذي بدا رغم صمته، الأكثر حضورا وحرصا، كأنه يرسم ملامح الغد بصوت الأمس.

رأيتُ زياد عن قرب. رأيته وهو يحكم السيطرة على الفرقة، لا بصوت عالٍ، بل بإيماءة، بنظرة، وبحضور لا يُشبه إلا الكبار الذين لا يضجّون بالصخب. يومها، لم أكن أعلم أنني أرافق عبقرياً عربياً سيكون موته مرآة لخذلاننا.

ولأن لجرش ذاكرة طويلة مع زياد، كان لافتاً أن فرقة موسيقية هذا العام (2025) عزفت في إحدى أمسياته مقطوعة "الحالة تعبانة يا ليلى"، كتحية له، من المسرح الذي عرفه شاباً برفقة والدته، إلى زمن الغياب المتخم بالحنين.

نعم، لقد أضحكنا زياد وأبكانا، وعلمنا أن الفن يمكن أن يكون سلاحاً، وأن اللحن إن لم يُحرض على الوعي، يظل مجرد تسلية.

كان يتحدث دوماً بضمير عروبيّ متّقد، واضح الانحيازات، شفاف الخوف، حادّ الغضب، ساخرًا حدّ البكاء، وواعياً أن الكرامة العربية لا تُبنى بخطب السياسة، بل بنُبل الفنّ حين يكون وفياً للناس.

أستاذ أحمد، حين قرأت مقالك، شعرت أن كل جملة فيه هي مشهد. لقد كتبت النص وكأنك تعزف على وتر حزين بحرفية زياد نفسه.

حين قلت: "هل خسر اللبنانيون دولتهم وحافظوا على روحهم؟ حافظنا نحن على دولتنا لكن أضعنا الروح . ،
سؤالك جارح وصادق. ولعلنا في لحظة زياد – هذا العاشق المجنون، الرافض الصامت، الثائر من داخل الهدوء – نجد الجواب. لقد علمنا زياد أن الرفض الأنيق أبلغ من ألف صراخ، وأن الفن الصادق ليس حياداً، بل هو انحياز للإنسان أولاً.

عمان يا أستاذ، كانت حاضرة في قلب زياد، حتى من دون أن يقولها. كانت فيروزه تغني لنا حين غابت كثير من الأصوات. وكانت "اسوارة العروسة" هديّة صوتية عن جنوبهم المغتصب انذاك لعمان عاصمة العرب.

لقد ذكّرتنا بجنازة زياد كيف نحتاج أن نستعيد الروح لا الشكل، الفكرة لا المظهر، الجمال لا البروتوكول.

لك المحبة على ما كتبت، ولزياد – الحاضر رغم الغياب – الرحمة التي تليق بفنان كان عمره كله احتجاجاً موسيقياً على الرداءة.

شعرت بالضيق، لأن السؤال موجع، والإجابة أكثر وجعًا.

لقد كتبت عن بيروت التي تعرف كيف تحزن بجمال، وعن فيروز التي رسمت بصمتها لوحة وداع تفوق كل كلمات المديح، وعن رئيس الوزراء الذي نعى زياد بلغة فيها حضور الإحساس قبل البروتوكول، وهنا، لم أتمالك نفسي من المقارنة بين ما شاهدناه في بكفيا، وما لا يحدث عندنا حين نودّع مبدعينا بصمت، أو بنشرة إخبارية في منتصف الليل.

وعدتُ معك إلى عمان… عُدتُ إلى تلك المدينة التي وصفتها ببهاء: "هي صحراء في النهار ومتوسّطية في الليل، وهي خلاصة القدس، ودمشق، وهفة بيروت، وسليق مكة".
قلت فصدقت: "كل شيء عندنا… لكن السيارة لا تمشي كما نتمنى.."

وما زلت أتساءل معك: أين إعلاميّو عمان الشباب الذين يحملون رسالتها، دون استعلاء، دون وطنية جاهزة تُوزّع صباحًا ومساءً؟ من المسؤول عن هذا التآكل؟ عن هذا الجفاف؟ عن هذا الحرج ؟ عن هذه الفجوة بيننا وبين من يمثلوننا؟.

لماذا لا نُكرّم مبدعينا أحياءً وأمواتًا كما يجب؟ لماذا لا نتعلّم من لبنان أن الأوطان لا تُقاس فقط بالحدود، بل بالروح، وبفن الوداع، وبكرامة الشعوب التي تعرف معنى أن تُشيّع من أعطى، لا من تزيّن بمناصب.

أخي أحمد،
زياد الرحباني لم يكن فنانًا فقط، كان ضميراً، ومسرحاً، وأغنية، وأمةً صغيرة تتكلم لهجة عربية حزينة.

كان وداعه مناسبة لنراجع أنفسنا: هل ما زال فينا متّسعٌ للشغف؟ للفنّ؟ للتاريخ؟ أم أننا أضعنا في الزحام كرامة الوداع؟

لك المحبة على ما كتبت،
ولزياد الرحباني تحية الوداع التي تليق بعظماء لا يموتون...





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :