facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




إشكالية تغيير رؤساء الجامعات في الأردن


د. جاسر خلف محاسنه
01-08-2025 07:19 PM

في بلدٍ يُنظر فيه إلى الجامعات الحكومية على أنها أذرع الدولة في التنمية والعدالة الاجتماعية، بات مشهد تغيير رؤساء الجامعات أشبه بعقارب ساعة لا تكفّ عن الدوران، لكنها لا تتحرك إلى الأمام. قرارات مفاجئة، مداولات غير معلنة، وأسماء تتغيّر دون توضيحات مقنعة للرأي العام، وكأنّ التعليم العالي في الأردن مسرحٌ لقرارات ظرفية، لا جزء من منظومة وطنية لبناء المستقبل.

اللافت أن وتيرة التغييرات في رؤساء الجامعات الحكومية تسارعت بشكل غير مسبوق خلال العقد الأخير، حتى بدا أن معيار النجاح في المنصب لم يعد مرتبطًا برؤية أو أداء، بل بمستوى الملاءمة لاعتبارات لا تُناقش علنًا. من رؤساء يخرجون من مناصبهم دون توجيه ملاحظات رسمية، إلى لجان تختار ثم تُنسى، ومنهجية تُستبدل كل عام، يظل السؤال الأساسي غائبًا؛ هل بهذه الطريقة تدار مؤسسات تصنع النخب والمهارات والمعرفة؟

في المقابل، تقدم النماذج العالمية صياغة مختلفة تمامًا لهذا الدور. عندما بدأت جامعة فيرجينيا تك في الولايات المتحدة البحث عن رئيس جديد، لم تُخفِ شيئًا عن مجتمعها الأكاديمي. أرسلت بريدًا إلكترونيًا لجميع الطلاب المحليين و الدوليين، والأساتذة، والخريجين، والموظفين، تطلب فيه ترشيح أسماء أكاديمية تتصف بالكفاءة، وفق معايير منشورة علنًا. كان الهدف واضحًا وهو مشاركة مجتمعية حقيقية، وشفافية تعكس احترام المؤسسة لمن تُعنى بهم.

وليس المثال الأمريكي حالة معزولة. ففي فنلندا، تخضع عملية تعيين رؤساء الجامعات لمراحل معلنة مسبقًا، تشمل الإعلان عن شاغر المنصب، وقبول ترشيحات عبر لجنة مختصة تضم ممثلين عن الأكاديميين، والطلبة، وأصحاب العلاقة من القطاع العام والخاص. بل إن بعض الجامعات الأوروبية تشترط عقد لقاءات علنية مع المرشحين قبل الاختيار، في ممارسة أشبه بالمناظرات، هدفها اختبار الفكرة، لا المجاملة.

جامعة كاليفورنيا بيركلي، إحدى أرقى الجامعات في العالم، لا تُعيّن رئيسها إلا بعد مشاورات تمتد لأشهر، تبدأ من المجالس الأكاديمية، وتشمل المجتمع المحلي، وتنتهي بقرار معلل منشور. الرئيس هناك ليس موظفًا تنفيذيًا فحسب، بل قائد أكاديمي يُحمّل مشروعًا جامعيًا متكاملاً.

في الأردن، تبدو المسافة شاسعة بين ما يُطلب من رؤساء الجامعات وبين الأدوات التي يُمنحون إياها. إذ يُكلف البعض بمنصبهم دون خارطة طريق، ولا يُمنحون الوقت الكافي لتنفيذ خطة إصلاحية، بل يُحمّلون مسؤولية ترهّل تراكم لعقود. تُقاس فاعليتهم بمدى قدرتهم على المواءمة، لا الإنجاز، ويُساءَلون عن نتائج لا يملكون مفاتيحها.

هل يبدأ إصلاح التعليم العالي بتغيير الرؤساء؟ أم بتثبيت معايير وطنية عادلة لاختيارهم، وضمان استقرارهم، ومحاسبتهم بناءً على خطط معلنة؟ إن كانت الدولة جادة في ربط التعليم بسوق العمل، وفي الاستثمار في الابتكار والبحث، فلا بد من إعادة تعريف دور الجامعة أولًا، وتمكين رؤسائها ثانيًا، لا معاملتهم كقطع شطرنج.

المؤسسات لا تنمو بالخوف، ولا تُدار بالقرارات الفردية العابرة. تبدأ قوة الجامعة من الإيمان برسالتها، ومن احترام عقل الأستاذ والطالب، ومن بناء منظومة واضحة لا تسمح بمزاجية، ولا تعتاش على الغموض.

إن ما يقتل الجامعة ليس فقر الإمكانيات فقط، بل فقر السياسات، وارتجال القرار، وانعدام الشفافية. وفي وطننا الذي يزخر بالكفاءات، حان الوقت لأن نمنحها المساحة لتتنفس.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :