التوجيهي بين الرعب والرجاء .. نحو نظام تعليمي يوازن بين التقييم والدعم
د. هاشم احمد بلص
03-08-2025 03:42 PM
يُعتبر امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" في الأردن، لحظة مفصلية في حياة الطالب، بل وفي حياة الأسرة الأردنية بأكملها، فهو ليس مجرد اختبار أكاديمي، بل حدث وطني سنوي يتكرر معه التوتر والقلق والخوف، ومع كل دورة امتحانية، تتجدد الأسئلة حول واقعية هذا النظام وعدالته، وحول مدى قدرة وزارة التربية والتعليم على تقديم نموذج تربوي يحقق التقييم دون الرعب، ويضمن النزاهة دون التهويل.
حيث يعاني الطلبة وأولياء أمورهم من ضغوط نفسية واجتماعية واقتصادية هائلة خلال فترة التوجيهي، ويواجهوا تحديات من ابرزها الضغط النفسي المفرط الذي يحول البيت الأردني إلى بيئة مشحونة بالترقب، كونه يُربط مستقبل الطالب الاجتماعي والوظيفي بنتيجة هذا الامتحان، مما يؤدي إلى حالات اكتئاب وقلق وأحيانًا انهيار نفسي للطلبة، ويعتبر العبء المالي من اكثر التحديات صعوبة، حيث تضطر الكثير من الأسر إلى الإنفاق على الدروس الخصوصية والمراكز التعليمية بشكل مبالغ فيه، بسبب ضعف ثقة المجتمع بالمخرجات المدرسية النظامية، ويرافق هذه الامور الرهبة من النظام الرقابي لما تفرضه الوزارة من إجراءات مشددة في القاعات الامتحانية، تجعل الطالب يشعر وكأنه في ميدان أمني لا في بيئة تعليمية، فتكثر حملات التفتيش والتفجيرات الإعلامية حول "الرقابة" بدل التركيز على "الدعم".
رغم أن هدف وزارة التربية والتعليم هو ضمان العدالة ومنع الغش، إلا أن الأساليب التي تتبعها أحيانًا تنعكس سلبًا على الحالة النفسية للطلبة، وذلك من خلال لغة التخويف في التصريحات حيث تعمد الوزارة في كثير من الحالات إلى تبني خطاب إعلامي قاسٍ تجاه الطلبة، يتحدث عن "الاجتثاث"، و"الملاحقة القانونية"، و"سحب الاعتراف"، دون الإشارة إلى الدعم النفسي أو التربوي، وما تقوم به الوزارة من إجراءات أمنية المبالغ بها من نشر للأجهزة الأمنية خارج القاعات، واستخدام أدوات تفتيش الكترونية، يُشعر الطلبة بأنهم في ساحة تحقيق لا قاعة امتحان، بل وتتعمد الوزارة الى تكرار صعوبة الامتحانات، ففي كثير من السنوات، يتم إعداد أسئلة لا تراعي الفروق الفردية، مما يزيد الفجوة بين الطالب والنظام، ويؤدي إلى انخفاض النتائج بشكل حاد ينعكس على فرص القبول الجامعي.
للخروج من هذه الأزمة المتكررة، لا بد من مراجعة شاملة لنظام التوجيهي، تأخذ بعين الاعتبار الجوانب النفسية والتربوية والاقتصادية، وتقترح حلولاً واقعية، مثل اعتماد التقييم التراكمي فتقسيم التقييم على مدار عامين دراسيين (الأول والثاني الثانوي)، مع احتساب علامات الطالب في مشاريع، وأبحاث، واختبارات فصلية، لتخفيف الضغط عن الامتحان النهائي، كما يعد تعزيز الدعم النفسي والتربوي كتوفير برامج إرشاد نفسي داخل المدارس، وتدريب المعلمين على تقنيات التخفيف من قلق الامتحان، إضافة إلى بث رسائل توعوية عبر الإعلام الرسمي تدعو للهدوء والثقة بالنفس، ومن مهام الوزارة الرئيسية هي تحسين جودة التعليم داخل المدار بدلاً من الاعتماد على الدروس الخصوصية، ينبغي الاستثمار في تطوير المعلم، والمناهج، والبنية التحتية للمدارس الحكومية، لضمان عدالة الفرص، كما يعد استخدام التكنولوجيا في التقييم إلكترونية من خلال الذكاء الاصطناعي، لتحليل أداء الطالب بشكل شامل، بدل حصر الحكم في ورقة واحدة، ويعتبر تنويع مسارات ما بعد التوجيهي وتعديل ثقافة المجتمع تجاه التخصصات المهنية، وإنشاء مسارات تطبيقية بديلة تعترف بها الجامعات وسوق العمل، مما يخفف من ضغط القبول في التخصصات الأكاديمية التقليدية.
امتحان التوجيهي لا يجب أن يبقى فخًا نفسيًا يهدد استقرار الأسر، بل يجب أن يتحول إلى أداة تربوية فاعلة تعكس تحصيل الطالب الحقيقي، وتفتح له أبواب المستقبل دون رعب أو ابتزاز، إن إصلاح التوجيهي هو المدخل الحقيقي لإصلاح المنظومة التعليمية في الأردن، وإن تحويله إلى تجربة إنسانية عادلة هو مسؤولية جماعية تبدأ من الوزارة ولا تنتهي بالمجتمع.
متمنيا التوفيق والنجاح لجميع ابنائنا الطلبه.