تضحيات الأجانب من أجل غزة وفلسطين
داود عمر داود
10-08-2025 11:59 AM
كثيرون حول العالم، من غير العرب والمسلمين، ضحوا بالغالي والنفيس خلال تعبيرهم عن تعاطفهم مع قضية فلسطين، منذ أن بدأت الحرب على غزة، والمستمرة منذ قرابة العامين.
فمنهم من فقدوا وظائفهم ومصدر أرزاقهم، سواء كانوا مسؤولين حكوميين كبارا احتجوا على سياسات حكوماتهم تجاه غزة، أو فقدوا وظائفهم في شركات كبرى حين عبروا عن معارضتهم لحرب الإبادة في القطاع.
ومنهم من فقدوا مقاعدهم الدراسية في الجامعات، ومنهم من تعرضوا للسجن بسبب مواقفهم المتعاطفة مع الغزيين. ومنهم من تعرض للمحاكمة بسبب كلمات كتبها على مواقع التواصل تعاطفا مع غزة. ومنهم من تعرضوا للايذاء بالضرب والاعتداء من قبل شرطة بلادهم، أثناء ممارسة حقهم الطبيعي في التعبير عن وجهة نظرهم. وأخيراً، منهم من فقدوا البصر مثل الناشطة الأسترالية المحامية "هانا توماس".
الأسترالية "هانا توماس" فقدت عينها من أجل غزة:
فقد تعرّضت المحامية والناشطة السياسية "هانا توماس"، لاعتداء الشرطة الأسترالية، في مدينة "سيدني"، خلال تفريق مظاهرة أمام مقر شركة يتهمها المتظاهرون بتوفير قطع غيار لطائرات "إف-35" التي يستخدمها جيش العدو الإسرائيلي في غاراته الهمجية على قطاع غزة.
والمحامية "هانا توماس" هي ناشطة سياسية عضو في حزب "الخضر" الاسترالي. وكانت قد نافست مؤخرا رئيس الوزراء الأسترالي، "أنتوني ألبانيز"، في دائرته، خلال الانتخابات الفدرالية. وقد تسبب تدخل الشرطة بعنف لتفريق المظاهرة بإصابتها بجروح بالغة في وجهها، لا سيما في عينها اليمنى. وقال محاميها بأن الإصابة قد تُسبب فقدانًا دائمًا للبصر في تلك العين. وبعد الحادثة، وصفت الناشطة "توماس" ما تعرضت له بأنها "تجربة صادمة"، مؤكدة أنها شاركت في احتجاجات سلمية، وأضافت: "ما أمرّ به لا يُقارن بما يمرّ به أهل غزة بسبب إسرائيل".
هل تذهب التضحيات سدى؟:
فهل يا ترى ستذهب تضحيات هؤلاء الأجانب من غير العرب والمسلمين سدى في نهاية المطاف؟ أم أن مجمل تضحياتهم ستؤتي ثمارها يوماً ما، ولو بعد حين؟ بمحاكمة مجرمي الحرب، الذين ارتكبوا الفظائع ضد الإنسانية؟ أو على الأقل إجبار الدول الكبرى على "تغيير شكل استعمارها"، مثلما حصل في جنوب إفريقيا مثلاً، بتسليم الحكم، ولو منقوص السيادة، لأصحاب البلاد، وتنحية المستوطنين جانباً؟ ولو شكليا!!!
خلاصة القول: هل نجحت عملية ترويضنا؟:
ويلاحظ أن سقف طموحاتنا، من شدة اليأس، قد هبطت إلى أقل من الحد الأدنى. فلم يعد هناك أحدٌ ينادي بـ "تحرير فلسطين"، كما كان الحال عند بدء الحرب، في 7 اكتوبر 2023! ولم يعد موضوع "التحرير" مطروحاً أصلاً، لا على "بساط البحث" ولا على "طاولة المفاوضات"، ولا في "الأروقة الدولية".
حتى الأدعية قد تغيرت مضامينها. فآمال الناس، وأُمنياتهم، ورغباتهم، وتوقعاتهم، والرجاء في تحقيق هدفٍ ما، قد تبدلت جذرياً. بل ان "الأجندة" الذهنية لدى الإنسان العادي، لم تعد كما كانت، بعد أن فعلت حملات "الترويض" فعلها في النفوس، فلم نعد نتمنى أو نحلم أن يتحرر المسجد الأقصى مثلاً. وأصبح الدعاء الدارج اليوم "اللهم أعد المسجد الأقصى الى حوزة المسلمين". لكن كيف؟ لا ندري!!
وأغلى أمانينا الآن لم تعد "تحرير فلسطين أو القدس"! أغلى أمانينا أن يتم إدخالُ كسرةِ خبزٍ أو شربةُ ماءٍ، إلى الجوعى والعطشى في قطاع غزة. فأصبح سقف ما نتمنى، وغاية ما نحلم به، وأعلى سقفٌ لمطالبنا، وأسمى ما نطالب به، هو إطعام أهلنا في غزة، وسد رمقهم لإبقائهم على قيد الحياة.
ولكن ورغم ذلك لا نفقد الأمل، وستبقى آمالنا وطموحاتنا حيةً في النفوس، لكن بشروط، كما يقول الشاعر:
وما فلسطينُ إن صحتْ عزائُمنا
بعيدةَ الدارِ تستعصي على الطلبِ
فارموا بأبصاركم تلقوا منازلهَا
أدنى إلى القاصدِ المشتاقِ من حلبِ