يشهد قطاع النقل العالمي تحولًا نوعيًا بفعل الابتكارات التكنولوجية التي باتت تدخل حيز التطبيق الفعلي. ومن أبرز هذه الابتكارات مركبات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية (eVTOLs)، التي تقدم نموذجًا جديدًا للتنقل الحضري يدمج بين الكفاءة البيئية والمرونة التشغيلية، ويعيد صياغة علاقة المدن بشبكات الحركة. هذه التقنية، التي كانت قبل سنوات قليلة في مراحلها النظرية، أصبحت اليوم في مرحلة التشغيل التجريبي في مدن مثل دبي وسنغافورة وباريس، ويتوقع أن تدخل الاستخدام التجاري الواسع خلال الأعوام المقبلة. ومع هذا التسارع، تتجه العديد من العواصم إلى تكييف تشريعاتها وبناها التحتية مع متطلبات هذا النمط الجديد من النقل، من خلال إدراج مفهوم محطات الإقلاع العمودي (Vertiports) في المخططات الهيكلية، ووضع معايير عمرانية وهندسية وأمنية متكاملة.

في الأردن، صيغت التشريعات الناظمة للتخطيط الحضري في سياق تاريخي كانت فيه أنماط الحركة تعتمد على البعد الأفقي لشبكات الطرق. ويتيح الواقع الحالي فرصة ثمينة لتطوير هذه التشريعات لتشمل الأبعاد الحديثة للتنقل الحضري، بما فيها البعد الجوي. ويعني ذلك إدراج تصنيفات جديدة لاستعمالات الأراضي، ووضع معايير لتأهيل المباني والمناطق لاستضافة مرافق الإقلاع العمودي، وضمان تكاملها مع شبكات النقل العام والنقل المستدام.

التحرك في هذا الاتجاه يعزز جاهزية المدن الأردنية لمواكبة التحولات الدولية في مجال النقل الحضري، ويدعم تنفيذ برامج رؤية التحديث الاقتصادي، خاصة ما يتعلق بالبنية التحتية الحديثة والمدن الذكية وجذب الاستثمارات النوعية. ويمكن أن يشكل إدماج النقل الجوي الكهربائي في الخطط التنفيذية للرؤية خطوة استراتيجية، من خلال التخطيط المبكر لمواقع الـ(Vertiports)، وإدراجها في المخططات الهيكلية ومشاريع البنية التحتية الكبرى.

التجارب الدولية توفر نماذج ملهمة يمكن تكييفها مع الواقع الأردني، مثل التجربة الباريسية التي دمجت مرافق الإقلاع العمودي في البنية التحتية استعدادًا للألعاب الأولمبية، والتجربة السنغافورية التي حولت بعض مواقف السيارات الطابقية إلى مرافق هبوط وتشغيل، بما يعزز المرونة المكانية والاقتصادية.

يمثل هذا التحول فرصة استراتيجية للأردن لتبني تشريع استباقي يضعه في موقع متقدم على المستوى الإقليمي، ويجعل مدنه أكثر قدرة على مواكبة التحولات العالمية في أنماط النقل الحضري. إدماج النقل الجوي الكهربائي في منظومة التخطيط يشكل استثمارًا مباشرًا في مستقبل المدن الأردنية، ويعزز قدرتها على جذب الاستثمارات ورفع جودة الحياة. المبادرة إلى تعديل التشريعات ووضع الأطر التخطيطية اللازمة لاستيعاب هذه التقنية تمنح الأردن ميزة تنافسية، وتؤكد دوره الفاعل في صياغة مستقبل النقل الحضري في المنطقة.

* اكاديمي متخصص في اقتصاديات البناء والتصميم البيئي والتخطيط في كلية العمارة والتصميم | مدير وحدة المشاريع الهندسية / جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية