عندما يأتي الرد عسكريًا .. إعادة خدمة العلم خطوة في تمتين الجبهة الداخلية
النائب نور أبو غوش
17-08-2025 06:41 PM
كبرنا ونحن نسمع حكايات من سبقونا من آبائنا وأخوالنا وأعمامنا الذي كبروا في أجيال كانت خدمة العلم لزاماً، حكايات عن أيام غيّرت في نفوسهم الكثير، عن شباب دخلوا التجربة فخرجوا منها أكثر انضباطاً وأعمق انتماءً، وأصدق ارتباطًا بالأرض والوطن، حيث كانت خدمة العلم مدرسة تزرع الرجولة والجدية والالتزام، وتعلّمهم أن الوطن أكبر من الفرد، وأن المسؤولية ليست شعارًا يُرفع بل سلوك يُمارَس. هذه القصص لم تكن مجرد ذكريات، بل إرث وطني اجتمعت فى خدمة واحدة اسمها: خدمة العلم.
تشهد المنطقة تحديات وتهديدات إقليمية غير مسبوقة تستوجب يقظة وطنية واستعدادًا شاملاً. فقد كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تصريحاته الأخيرة عن إيمانه برؤية “إسرائيل الكبرى” التوسعية، متبجحًا بخريطة تضم أجزاءً من فلسطين المحتلة وحتى من الأردن وبلدان عربية مجاورة . ولم تكن تلك مجرد تصريحات عابرة، إذ رافقها حراك سياسي على الأرض تمثّل في قرارات لفرض واقع جديد في الضفة الغربية والقدس المحتلة، بما فيها المصادقة على بناء ٣٤٠٠ وحدة استيطانية تربط القدس بالضفة . في ضوء ذلك، برز قرار إعادة تفعيل برنامج خدمة العلم بقيادة ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني كخطوة سيادية واستراتيجية تُقرَأ تهديفاً إلى رفع الجاهزية الوطنية والاصطفاف شعبياً ورسمياً في خندق الدفاع عن الوطن، وكما قال الملك الحسين بن طلال رحمه الله عند تأسيس خدمة العلم في سبعينيات القرن الماضي، فإن هذه الخدمة تُعد “إعلانًا عن أقصى أنواع الولاء للوطن” .
إنّ شباب الأردن هم عماد مستقبله ودرع حاضره. ومن هنا تأتي أهمية توجيه بوصلتهم نحو البناء وخدمة الوطن، بدل تركهم فريسة للفراغ أو التأثيرات الهدّامة العابرة للحدود، من مخدرات ووسائل تواصل اجتماعي باتت ميداناً مفتوحاً لحرب ناعمة تستهدف العقول والانتماءات، وقد أكد ولي العهد حديثًا ضرورة تهيئة الشباب ليكونوا جاهزين لخدمة الوطن والدفاع عنه، مشيرًا إلى أن كل من خاض تجربة خدمة العلم يدرك قيمتها. كما شدّد سموه على أن الخدمة إلى جانب نشامى القوات المسلحة الأردنية تسهم في صقل شخصية الشباب وانضباطهم وترسّخ هويتهم الوطنية التي تملك أن تبني جيلاً قوي الإرادة صعب الانقياد، مستعدًا للتضحية ومفعمًا بروح الوطنية الصحيحة.
يأتي إعلان ولي العهد عن عودة خدمة العلم بمثابة نداء وطني جامع للالتفاف حول راية الوطن. إنها رسالة واضحة بأن تمتين الداخل هو خط الدفاع الأول والأقوى أمام كل من يتربص بالأردن سوءاً، وهي الخطوة التي نؤمن ونأمل أن خطوات ستتبعها تفتح أبواب الحوار وتضع خطوات واضحة فيما يصبّ في حماية حريات الشباب والضمانات الحقيقية لأمان انتساباتهم الحزبية والسياسية والفكرية التي يدخلونها لأجل الوطن وإصلاحه، ولقد أثبت التاريخ أن الأردن، بقيادته الهاشمية الحكيمة وشعبه الواعي، قادر على تحويل التحديات إلى دوافع لمزيد من التماسك والمنعة، فالأردن يقدم رسالته واضحةً بأنه لن تنال منّا التهديدات ما دمنا متحصنين بمناعة جبهتنا الداخلية، فبوحدتنا ويقظتنا سنظل الأقدر على حماية وطننا ومقدراتنا، والرد على كل طامع ومتربص. فهذا الوطن الأبيّ علّمنا أن القوة الحقيقية تنبع من الداخل المتماسك، وأن وحدة الأردنيين وحماية حقوقهم وإعطاءهم مساحات التعبير عن الرأي وصلابتهم هي الرد الوطني الأمثل على أي تحدٍ خارجي.