التجنيد الاجباري كخيار حياة ووجود واستمرارية
النائب د. ديمة طهبوب
18-08-2025 09:29 AM
في لحظة تاريخية يوثقها كتاب الملك حسين رحمه الله (مهنتي كملك) ويتحدث عن قراره بتعريب الجيش يقول "كنت أرى أن علينا في حال نشوب حرب أن نؤمن دفاعنا عن طول الحدود الإسرائيلية الأردنية وأن نصمد مهما كلف الأمر حتى الموت، لقد كنت من أنصار الرد الفوري، وعبثاً أبنت وشرحت كل ذلك لكلوب، فقد كان الجنرال كلوب يواصل النصح بمراعاة جانب الحكمة والحذر، وكان يحبذ تراجع قواتنا إلى الضفة الشرقية في حالة قيام هجوم إسرائيلي، وهذا يعني احتلالاً إسرائيلياً، كان ذلك غير معقول… وقلت عندئذ لكلوب لماذا لا نستطيع أن نحصل على المزيد من كميات السلاح؟"
في لحظة تحول تاريخية لاحقة عام ١٩٦٧ فرض الأردن على ابنائه التجنيد الإجباري بصدور قانون خدمة العلم والخدمة الاحتياطية، وكان الهدف منه في ذلك الوقت دعم الجيش بالقوى البشرية وتنظيم مشاركة الشباب في الخدمة الوطنية
وبجوار كيان استئصالي قائم على فكرة التفوق الديني والعرقي واحتقار الاخر والحق الالهي في الوجود والسيطرة والتمدد ما انفك يعيدها ويستنسخها بأشكال سياسية وقوانين مختلفة في عصور مختلفه، يغدو التجنيد الإجباري خيار حياة ووجود واستمرارية
فمن التأسيس المشؤوم صرح بن غوريون "إن قبول التقسيم لا يلزمنا بالتخلي عن شرق الأردن. ولا يطلب المرء من أحد أن يتخلى عن رؤيته. سنقبل بدولة ضمن الحدود المحددة اليوم – لكن حدود التطلعات الصهيونية هي اهتمامات الشعب اليهودي ولن يتمكن أي عامل خارجي من الحد منها…اذا كان يجوز نقل عربي من الجليل إلى يهودا، فلماذا لا يمكن نقل عربي من الخليل إلى شرق الأردن، وهو أقرب بكثير؟ هناك مساحات شاسعة من الأراضي ونحن مكتظون... وحتى المفوضية العليا توافق على النقل إلى شرق الأردن إذا قمنا بتجهيز الفلاحين بالأرض والمال. إذا قبلت لجنة بيل وحكومة لندن، فسنزيل مشكلة الأرض من جدول الأعمال».
هذه العقيدة السياسية ممتدة فيما وصفه جزار العصر نتنياهو باستعادة المهمة الروحية والتاريخية في بناء ما يسميه أرض "اسرائيل" الكبرى وهي دلالة أن كل ما وقعوه من اتفاقيات مع العرب ليست الا حبرا على ورق وكسبا للوقت لمزيد من تحقيق القوة والسيطرة وتدريب شعبهم في الجيش النظامي والاحتياط مع استمرار فرض التجنيد الاجباري، وأن لحظة الحقيقة حانت لنزع لثام الذئاب عمن حاول أن يظهر بصورة الحملان، وأن العقيدة الصهيونية لا تتغير بتغير الأزمان او اسماء السياسيين والأحزاب سوى نحو مزيد من التغول والتطرف
لذا يغدو من ابسط البديهيات أن التجنيد إجباريٌ اذا جاور بلدك بلدا معاديا، وغيابه او تعطيله ينطوي على مخاطر وتحديات جدية قد تؤدي الى التهلكة لا سمح الله
فوجود التجنيد الاجباري يعني الجاهزية الدائمة وأن الدولة تحرص على بناء قوة عسكرية بشرية كبيرة قادرة على الاستدعاء بسرعة عند وقوع أي تهديد. كما أن وجود التجنيد يعد من عوامل الردع النفسي والسياسي فعندما يعرف العدو أن الدولة تملك جيشاً كبيراً مدرّباً بفضل التجنيد الإجباري، فإن ذلك يشكل عامل ردع يمنع التفكير في الاعتداء، وفوق ذلك كله فإن التجنيد يرسخ الانتماء الوطني ويغرس أيضاً روح الانضباط والانتماء والولاء للوطن في أجيال الشباب، وهو أمر مهم في مواجهة التهديدات الخارجية.
وبالمقابل فإن غياب التجنيد الإجباري او تجميده يؤدي الى انخفاض القدرة الدفاعية البشرية بالاعتماد فقط على الجيش النظامي مع زيادة الاعتماد على الاسلحة التكنولوجية باهظة الثمن بدون وجود قاعدة بشرية من المجندين
وهذه أمور لا يمكن أن تخفى على أي مواطن يحب بلده ويريد أن يحميه ويحمي منجزاته في وقت لا وسيلة أفضل للدفاع من الاستعداد للهجوم
سجل فرانس فانون الطبيب الفرنسي الذي دعم الثورة الجزائرية درسا قيما فقال " ان المحتل لا يرخي قبضته الا اذا وضعت سكينا على رقبته"
وقد حان لنا أن نريهم أن عزائمنا جبارة وسيوفنا ماضية وأرض الأردن سجادة مفروشة من دماء الشهداء
تحية عسكرية لسمو ولي العهد الأمير حسين بن عبد الله على اطلاق العودة المباركة للتجنيد الإجباري
وأرجو أن يشمل التسجيل كل مواطن كل بحسب عمره وامكانياته وتخصصه فكلنا حرقة أن ندافع عن الأردن وأن يبقى علمه خافق في المعالي والمنى