قد تمنح "خدمةُ العلم" دفعةً رمزيّة وواقعيّة لـ"الهويّة والوطنيّة والمواطنة"، إذا جرى تصميمها بعدالة ووضوح، في سياق وطنيّ عامّ لا يُتنازع على تعريف المواطنة والوطن فيه بين فئة وأخرى، ولا تحتكرها فئة لنفسها؛ فتطعن بوطنيّة المختلف تحت العلم لا فيه.
قد تنجح التّجربة حين يشعر الشّاب أنّه يتجنّد باسم وطنٍ يظلّلهم جميعاً، ويمنحهم فرصاً متكافئة في "المغانم" كما في "المغارم"، لا حين يُستدعون فقط للتّضحية بينما تُحتكر المكاسب لغيره، حين يتجنّدون خدمةً لعلمٍ يحتضنهم جميعاً، ويظلّل أحلامهم جميعاً، ويوحّدهم في وجه "أعدائهم"؛ أعداء "الوطن" بما هو "وطن"، أعداء وجوده ومستقبله، أعدائهم بأل العهد والتّعريف: "الكيان الاسرائيلي" و"مشروعه: "إسرائيل الكبرى نفوذاً وجغرافيا".
أظهرت خدمة العلم، في تجارب متعدّدة حول العالم، وجهاً مزدوجاً: فقد نجحت دول في جعلها أداة لتقوية الانتماء عبر برامج تدريب ومشاركة مجتمعيّة، فيما تحوّلت في دول أخرى إلى عبء بيروقراطيّ يعمّق الفوارق الطبقيّة ويفقد الشّباب حماسهم و"انتماءهم"، والأردن ليس استثناءً من هذا التحدّي المزدوج.
الانتماء المستدام لا يُبنى بالطقوس وحدها، بل حين "تعدل الدولة"، فتعالج "المريض" بقدر مرضه لا أمواله، وتعلّم من يستحقّ التّعليم، وتوفّر فرص العمل، وتُشعر أبناءها أنّهم مرئيّون ومسموعون ومطلوبون في صناعة المستقبل، عندها فقط تصبح "خدمة العلم" حلقةً من حلقات الاندماج، لا إجراءً يُضاف إلى قائمة الأعباء.
وإذا لم تكن خدمة العلم عادلة في شمولها؛ فلا إعفاءات طبقيّة، ولا مزايا فئويّة، ولم تُصمَّم لتكون مساحة تعارف وطنيّ عابر للتنوّع الجغرافيّ والطبقيّ، وبرنامجاً للتّدريب والتّشغيل لا لتخدير معضلة البطالة وتأجيلها، فإنّها قد تنقلب إلى "كُلفة زائدة"، وترسيخ لولاء داخل المؤسّسة العسكريّة وحدها، مع إضعاف الثقة بالمؤسّسات المدنيّة.
التحدّي إذن ليس في "إحياء خدمة العلم" شعاراً و"فزعة"، بل في ابتكار نموذج وطنيّ جديد لها، يوازن بين البعد الرّمزيّ والبعد العمليّ، ويجعلها جسراً إلى المواطنة الفاعلة، لا سوراً إضافيّاً للفوارق، لا "تحويلة" في مسار العمر، يضيّع الشّاب عاماً أو عامين من عمره بلا أفق إلاّ رجاء انتهائهما، أو الوصول إلى "واسطة" تعفيه منها!