خوض تجربة تدريبية في أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين يضعك مباشرة أمام صورة واضحة للانضباط والدقة. فكل تفصيل محسوب، وكل خطوة منظمة، حتى تشعر أن النظام ليس مجرد إجراء بل هو جزء من هوية المكان وفلسفته.

ورغم أن بعض الجلسات قد تبدو طويلة أحيانًا، أو يخيل للمرء في لحظة أنها قد لا تعطي ثمارها، إلا أن المفاجأة تأتي لاحقًا: تجد نفسك تطبق ما تعلمته دون وعي مباشر أو حتى تفكّر ضمن ذات النطاق الخلّاق.

الفائدة تتسلل تدريجيًا إلى الممارسة اليومية ، حتى تدرك أن كل دقيقة قضيتها كانت لبنة في بناء معرفي ومهني متين.

الأكاديمية لا تكتفي بتزويد المعلمين بالمعلومة، بل تهيئهم ليمتلكوا القدرة على التفكير النقدي، والإبداع، وتبنّي أنظمة حديثة كـ STEAM، بطريقة تجعلهم أكثر قربًا من واقع طلبتهم وأكثر قدرة على إلهامهم.

لقد نجح هذا الصرح لأنه لم يلتفت إلى الشائعات ولا إلى الأصوات المثبطة، بل مضى بخطى ثابتة ورؤية واضحة. واليوم، يقف كأحد أبرز النماذج في المنطقة، شاهدًا على أن الاستثمار في المعلم هو المدخل الحقيقي لصناعة مستقبل أفضل.

أكاديمية الملكة رانيا ليست مجرد مؤسسة تدريبية، بل هي مشروع وطني متكامل، استطاع أن يبرهن أن التغيير ممكن حين يتوفر الإيمان بالفكرة، والإصرار على التنفيذ، والثبات أمام كل التحديات.

جانب آخر لا يقل أهمية هو تهيئة المعلمين للتعامل مع الأنظمة التعليمية الحديثة، وعلى رأسها نظام STEAM، الذي يدمج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات. رأيت كيف يتم تقديم هذا النظام بشكل سلس، بحيث يتعلم المعلم طرقًا عملية لتطبيقه داخل الصف، ما يفتح أمام الطلبة آفاقًا جديدة للإبداع والتفكير النقدي.

يُعَدّ نظام STEAM (العلوم، التكنولوجيا، الهندسة، الفنون، الرياضيات) أحد أهم النماذج التعليمية الحديثة التي تفتح أمام الطلبة آفاقًا أوسع للإبداع والتفكير النقدي. فهو لا يقتصر على نقل المعرفة، بل يمزج بين النظرية والتطبيق، ويشجع على طرح الأسئلة، وحل المشكلات، والعمل بروح الفريق. هذا الدمج المتكامل بين التخصصات يصنع جيلًا قادرًا على الابتكار، متسلحًا بالخيال والعلم معًا، ومهيأ لمواكبة تحديات المستقبل.

ومن هنا تأتي الدعوة لكل مدرسة ومؤسسة تعليمية أن تعمل بجدية على تقوية معلميها وتأهيلهم لتطبيق هذا النظام بفعالية. فالمعلم هو المحرك الأساسي لأي تطوير تربوي، وتمكينه يعني تمكين الطالب والمجتمع بأسره. الاستثمار في تدريب المعلمين على STEAM هو استثمار في جيل مبدع، قادر على تحويل المعرفة إلى إنجاز، والأفكار إلى واقع ينهض بالوطن.

لذلك نشكر جلالة الملكة رانيا على هذا الصرح ، على هذا الجهد ، على كل مدرّب و مدرّب يساهمون في صنع جيل من الافكار الخلّاقة الابداعية...فبهم يعلو الأردن و يزدهر!