غياب الجامعات الأردنية .. وصدارة سعودية في تصنيف الأكاديمية الوطنية للمخترعين الأمريكية
د. منصور المطارنة
20-08-2025 03:54 PM
نشرت الأكاديمية الوطنية للمخترعين (National Academy of Inventors, NAI) في الولايات المتحدة الأمريكية تصنيفها السنوي لأفضل 100 جامعة عالمية في تسجيل براءات الاختراع للعام 2024. وهو تصنيف يعتمد بشكل أساسي على عدد براءات الاختراع المسجلة، باعتبارها مؤشراً حيوياً على تحويل البحوث الجامعية إلى ابتكارات ومنتجات ملموسة تسهم في التنمية المستدامة والاقتصاد المعرفي .وكما هو متوقع، تصدّرت جامعات أمريكية وآسيوية عريقة القائمة، لكن المفاجأة كانت الحضور القوي للجامعات السعودية التي حجزت مقاعد متقدمة، بل وتربعت على القمة، حيث جاءت جامعة الملك فيصل في المركز الأول عالميًا متفوقة على جامعات كبرى لها تاريخ طويل في البحث والابتكار.
وتميّزت جامعات سعودية أخرى هذا العام بحضور قوي في المراتب الأولى في قائمة الجامعات على مستوى العالم، وترتيبها كالتالي:
جامعة الملك فيصل: جاءت في المركز الأول عالميًا بعدد 631 براءة اختراع.
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن: احتلت المرتبة الخامسة عالمياً بـ 265 براءة اختراع.
جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل: جاءت في المرتبة الخامسة عشرة بـ 141 براءة اختراع.
جامعة الملك سعود: جاءت في المركز الرابع والستين بـ 56 براءة اختراع.
جامعة الامير محمد بن فهد: جاءت في المركز الثالث والتسعين بـ 40 براءة اختراع (جامعة خاصّة)
هذا الإنجاز يعكس التحول الاستراتيجي الكبير الذي تشهده الجامعات السعودية ضمن رؤية المملكة 2030، وهو ثمرة رؤية وطنية واضحة جعلت من البحث العلمي والابتكار ركيزة أساسية للتنمية، مدعومة بسياسات حكومية جريئة، وتمويل سخي، وحاضنات أعمال، وشراكات صناعية محلية ودولية، وحوافز حقيقية للباحثين.
واقع جامعاتنا الوطنية:
في المقابل، لم تسجّل أيّ جامعة أردنية حضورها في قائمة أفضل 100 جامعة عالمياً في مجال تسجيل براءات الاختراع. ويطرح هذا الغياب تساؤلات جادّة حول واقع منظومة البحث العلمي والابتكار في الأردن. فرغم وجود كفاءات أكاديمية وبحثية متميّزة، لكن ما نفتقده هو البيئة المؤسسية والتشريعية والمالية التي تحوّل هذه الأفكار إلى براءات اختراع مسجّلة ومؤثّرة عالمياً.
لماذا غبنا؟
لأنّنا ما زلنا نركّز على النشر الأكاديمي التقليدي. لأنّنا نفتقر إلى الدعم المالي الكافي لتسجيل براءات الاختراع، خاصة في الخارج حيث الكلفة مرتفعة. ولأنّ العلاقة بين الجامعات والصناعة ما تزال ضعيفة، فلا تجد الأفكار طريقها إلى السوق، حيث الإنتاج العلمي الأردني لا يترجم غالباً إلى اختراعات مسجّلة أو منتجات قابلة للتسويق، وهو ما يضعف من أثره التنموي والاقتصادي.
ماذا نحتاج؟
نحتاج إلى رؤية وطنية واضحة للابتكار، تجعل تسجيل الاختراعات هدفًا وطنيًا، لا مجرد مبادرات فردية.
نحتاج إلى صناديق دعم وتمويل تغطي تكاليف تسجيل البراءات في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث يكتسب الاختراع قيمة عالمية.
نحتاج إلى تشجيع الباحثين بحوافز حقيقية: ترقيات، مكافآت مالية، وفرص استثمار لابتكاراتهم.
نحتاج إلى ربط الجامعات بالقطاع الصناعي والتجاري، بحيث تصبح الجامعة محرّكاً للتنمية لا مجرد مؤسسة للتعليم التقليدي.
الدرس من التجربة السعودية:
ما فعلته الجامعات السعودية يثبت أن النجاح ليس حلماً بعيد المنال، بل خيار استراتيجي يمكن تحقيقه متى ما توفّرت الإرادة السياسية والدعم المؤسسي. هنالك دعم حكومي غير محدود للجامعات ومشاريع البحث العلمي. وايضا إهتمام وتشجيع الباحثين على تسجيل براءات الاختراع كأولوية وليس مجرد خيار ثانوي. المملكة العربية السعودية قبل سنوات لم تكن حاضرة في مثل هذه التصنيفات، لكنها اليوم تتصدّر المشهد.
وأختم بالقول أنّ غيابنا عن تصنيف الأكاديمية الأمريكية للمخترعين لا يقلل من قيمة جامعاتنا ولا من كفاءات أساتذتنا وباحثينا، لكنه مؤشّر خطير أو جرس إنذار يجب أن يدفعنا إلى وقفة مراجعة شاملة لواقع البحث العلمي. فالأردن يملك العقول والكفاءات، لكن ما ينقصنا هو البنية الداعمة والبيئة المشجّعة على تحويل الأفكار إلى اختراعات مسجّلة. وإذا أردنا أن نرى جامعاتنا بين قائمة أفضل 100 جامعة في العالم مستقبلاً، ونرى اسم الأردن بين الدول الرائدة في الابتكار، فعلينا أن نعيد النظر في سياساتنا الجامعية والبحثية، وأن نضع براءات الاختراع والابتكار ضمن أولوياتنا واستراتيجياتنا الوطنيّة والجامعيّة.
الوقت ليس في صالحنا، والعالم يتقدم، فهل نبدأ بالتشخيص ثمّ العلاج؟