السابع من اكتوبر .. الحتمية التاريخية
المحامي معتصم صلاح
21-08-2025 09:37 AM
يشرح عالم النفس الاجتماعي الفرنسي اميل دوركايم في كتابه الشهير الانتحار ، أن هناك نوعا من الانتحار الجماعي الواعي ،يحدث عندما تصل جماعة إلى شعور لا واعٍ بأن بقاؤها بلا كرامة هو الفناء الحقيقي ،فيختار الوعي الجمعي التضحية بالجسد من أجل بقاء المعنى .
من هذا المنطلق نجد أن الشعب الفلسطيني الذي يتعرض إلى الإذلال اليومي منذ عام 1917 وحتى حرب الإبادة الجماعية في غزة عبر رحلة اضطهاده بنير المستعمر البريطاني ونير المستعمر الصهيوني ورحلة عذاباته في الشتات و المنافي وفقدانه لكرامته وأنفته على يد الاحتلال, وعبر ظروف معيشته الاجتماعية والأمنية في منافي اللجوء في المخيمات والمطارات وأقبية المخابرات ,شكلت جميعها أبشع صور الاذلال والمهانة التي بلورت لديه الغريزة الانسانية لإطلاق ثورة عام 1965 التي استعاد عبرها كرامته البشرية , وحقه بامتلاك وطن بعد أن صبغ بصفة اللاجئ العاجز على أبواب مراكز توزيع التموين ليصنع لذاته صورة الفدائي الثائر .
وبعد أن كانت خيمة اللجوء عنوانا للذل والخضوع , أضحت في زمن الثورة أيقونة الكرامة والحرية وصرخة في وجه الاحتلال والقهر كما وصفها الكاتب غسان كنفاني في رواية ام سعد , حينما كتب خيمة عن خيمة بتفرق ،بمعنى أن خيمة الفدائيين في معسكرات القتال منحت المجد والكرامة للاجئ الذي سلبت منه ذاته وكرامته، وفي رحلة الثورة بمختلف محطاتها خاض هذا الشعب مقاومته للمستعمر بكل صور النضال التي ابتدعها في مواجهة أسطورية خلدها تاريخ الشعوب الثوري, أوجعت العدو وأرقت أعوانه وحمى ذاته من الانقراض .
فكما كتب الطبيب النفساني فرانز فانون المعروف باسم ابراهيم عمر فانون الذي انخرط في الثورة الجزائرية بعد أن كان ضمن الطواقم الطبية العسكرية للمستعمر الفرنسي حينما قال: إن الشعب المستعَمر ،عندما يقتل فإنه لا ينتقم من المستعِمر فحسب بل يسترد ذاته ،فبعد عمليات الإذلال والاخضاع للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية التي رافقها الحصار والتنكيل والتهميش واستباحة كرامته على الحواجز والنقاط الأمنية والمداهمات الليلية و الاعدامات الميدانية وهدم المباني ومصادرة الاراضي وغيره من صور العبودية الحديثه التي تمت في ظل صمت دولي مطبق ,لابل يكافأ نظام الابرتايد الفاشستي الصهيوني الحديث باتفاقيات ابراهيمية تطبيعية تسعى إلى تطوير ازدهاره واستقراره وشرعنة وجوده وتجذيره في المنطقة كحقيقة تاريخية وجوبية ، حينها كان لابد من السابع من أكتوبر ليسترد الشعب الفلسطيني المضطهد كرامته وذاته ليحافظ على حقه في الحياه وحقه في أن يكون لديه وطن , بولادة قيصرية مخاضها مثقل بالتواطئ و الخذلان والمؤامرة ،كان مدركا قبل خوضها بنتائج تبعاتها الكارثية ،ولكن رغم ذلك كان قراره النهائي , الخلاص من العبودية والاضطهاد والتهميش, فدأب الهروب من يأسه وواقعه الذليل إلى الامام ،وفقا لما كتب فالتر بنيامين الفيلسوف الالماني ، حينما قال :كل نهوض ثوري يحدث ليس بدافع التطلعات نحو المستقبل ،بل بدافع اليأس من الحاضر .
لقد كان السابع من أكتوبر لحظة انفجار حتمي لليأس ,والهروب الى الامام للخلاص من الاذلال والاخضاع والعبودية ،فقد بلغ الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني أقصى مداه, فكان صرخة الحرية.