جامعات الأطراف في الأردن .. بين الديون والعزلة
أ.د مخلد الطراونة
25-08-2025 01:45 AM
تواجه الجامعات الطرفية في الأردن واقعاً صعباً يهدد رسالتها التعليمية ودورها التنموي في المجتمعات المحلية. فعلى الرغم من أنها تأسست لتكون منارات للعلم في المحافظات البعيدة عن العاصمة، إلا أنها اليوم تقف أمام تحديات مالية وجغرافية وإدارية تكبّل قدرتها على التطور وتجعل مستقبلها غامضاً.
أبرز هذه التحديات يتمثل في الأزمات المالية الخانقة، حيث تراكمت الديون على هذه المؤسسات نتيجة اعتمادها شبه الكامل على الرسوم الجامعية كمصدر دخل أساسي.
ومع الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، أصبح العديد من الطلبة عاجزين عن تسديد الرسوم، ما فاقم الأزمة وأضعف من قدرة الجامعات على توفير خدمات تعليمية وبحثية بجودة عالية. وفي ظل محدودية فرص التمويل والاستثمار، تظل هذه الجامعات عالقة في دائرة العجز المستمر.
إلى جانب الأزمة المالية، يفرض البعد الجغرافي عزلة إضافية على الجامعات الطرفية. فالمسافة عن العاصمة تجعلها أقل جذباً للكفاءات الأكاديمية والطلبة المتميزين، فيما تشكل المواصلات الصعبة عبئاً يومياً على الطلبة وأعضاء هيئة التدريس. كما أن ضعف البنية التحتية في بعض المناطق المحيطة يحد من قدرتها على إقامة شراكات فاعلة مع القطاع الخاص، ويجعلها بعيدة عن مراكز القرار والنشاط العلمي.
ولا تقف التحديات عند هذا الحد، إذ تشكو بعض الجامعات من تدخلات خارجية في شؤونها الأكاديمية والإدارية، وهو ما يقيد استقلاليتها ويؤثر على مسارها الاستراتيجي. فغياب حرية القرار يضعف من قدرتها على رسم سياسات واضحة طويلة المدى، ويجعلها رهينة اعتبارات خارجية لا تراعي بالضرورة خصوصية بيئتها المحلية.
على الصعيد الأكاديمي، تعاني الجامعات الطرفية من محدودية الإمكانات البحثية وضعف المختبرات والتجهيزات، فضلاً عن اقتصار برامجها على تخصصات تقليدية غير قادرة على منافسة الجامعات الكبرى أو تلبية احتياجات سوق العمل الحديث. كما أن ضعف التعاون الدولي والبحثي يفاقم من عزلتها الأكاديمية، ويقلل من حضورها على الساحة العلمية.
هذه التحديات مجتمعة تجعل الجامعات الطرفية في حاجة ماسة إلى رؤية إصلاحية شاملة تعيد لها دورها الحقيقي. الإصلاح يبدأ بإعادة هيكلة أوضاعها المالية وتنويع مصادر الدخل بعيداً عن الاعتماد المطلق على الرسوم، مروراً بتحسين البنية التحتية والمواصلات، وصولاً إلى منحها استقلالية أكبر في قراراتها وتطوير برامج أكاديمية أكثر جاذبية وارتباطاً بسوق العمل. كما أن دعم البحث العلمي وتعزيز الشراكات الدولية سيمنح هذه الجامعات فرصة للانفتاح والتأثير.
في نهاية المطاف، تبقى الجامعات الطرفية مؤسسات وطنية كبرى لا تقل أهمية عن نظيراتها المركزية، بل ربما تتجاوزها في دورها التنموي للمجتمعات المحلية. إنقاذها من أزماتها لم يعد خياراً مؤجلاً، بل ضرورة وطنية لضمان العدالة في إتاحة التعليم العالي وتعزيز دورها كرافعة أساسية للتنمية في مختلف محافظات الأردن.