بلغت اسرائيل ويمينها المتطرف بزعامة نتنياهو من الصلافة والغطرسة حدا لم تبلغه أي قوة غاشمة على مر التاريخ.
بالامس كنت بندوة سياسية وكان عنوانها الاطماع الصهيونية بالبلاد العربية، وسألت سؤالا لم يجيب عليه أحد:
من الذي سيردع نتنياهو عن تنفيذ ما يدور في ذهنه حول غزة والضفة، وحول اسرائيل الكبرى، علما بأنه يعلن ذلك جهارا نهارا، خصوصا في ظل موازين القوى في المنطقة الواضح رجحان كفته لصالح اسرائيل؟
من الذي سيردعه وهو يحظي بقائمة حلفاء استراتيجيين وعلى رأسهم امريكيا برئاسة ترامب، ترامب الذي أعلن مسبقا ان اسرائيل محدودة وضيقة ويجب زيادة مساحتها؟
من الذي سيردعه بعد ان رتب بيته الداخلي وأصبح اليمين المتطرف هو المتصدر للمشهد الاسرائيلي ويصول ويجول، ويتسيد الساحة السياسية والعسكرية؟
من الذي سيردعه بعد ان عاث بالمنطقة كاملة وحَجَّمَ وأقصى (حسب إرادته وهواه) وبزمن قياسي، معظم القوى والمشاريع التي كانت تشكل مصدر قلق له ايران سوريا لبنان واليمن وغيرها؟
من الذي سيردعه بعد ان دمر غزة والمقاومة وشدد خناقه على الضفة، المخنوقة اصلا باوسلو؟
لم يجب أحد على السؤال.. لكن الجواب اتى اليوم من اسرائيل نفسها ان لا رادع لها فعلا، وذلك بضربها لثلاث دول عربية وبنفس اليوم، ولم تحسب حساب لأي مقاومة او ردة فعل سوي الشجب والاستنكار الذي لا يسمن ولا يغني من جوع..
ما قامت به اسرائيل اليوم هو مرحلة جديدة وخطيرة، فقد ذهبت بالصراع العربي الاسرائيلى لمستوى غير مسبوق واصبح فوق الاحتمال، فهذه الضربات تكشف مدى استهتارها بكل مظاهر الشرعية الدولية اولا، ثم الاستهتار بالعرب جميعا وبنظامهم وأنظمتهم.. وحتى اصدقائها.
المعطيات على أرض الواقع لا تشي الا بماهو اسوأ في ظل الضعف والتشتت العربي.. وحتى العالم الاسلامي الذي لم تعد القضية الفلسطينية من اولوياته، لم يبقى على نتنياهو الا القول كما قال فرعون من قبل "انا ربكم الاعلى فاعبدون".
عودة للعرب، فحالهم هذه الايام كحال الاعرابي كما روي بالمأثور الشعبي، فعندما قالوا له بلدك تحترق فقال: تسلم حارتي، فقالوا له حارتك تحترق، قال: يسلم بيتي، قالوا له يا رجل بيتك يحترق، فقال لهم: يسلم راسي، نعم هذا حال العرب عندما تجذرت القطرية البغيضة واختفى الاهتمام والعقل الجمعي العربي فلم تسلم بنهاية المطاف رؤوسهم، حتى الجامعة العربية باتت كيانا هشا ومعدوم التأثير وبيتا للخلاف لا العمل المشترك، مما شجع العدو للإستفراد بكل قطر لوحده مع اطمئنانه التام ان ردة الفعل لا تزيد عن الشجب والاستنكار كما اسلفنا، وهذا ما يطربه ويدعوه للمزيد من الصلف والغطرسة، وعندما سألوا فرعون من فرعنك؟ اجابهم لم ألقى احد يصدني، وهذا فعلا حال نتنياهو في المنطقة.
إن إحياء العمل العربي المشترك وأقله البدء فورا بإحياء مجلس الدفاع العربي وتفعيله، ليس ضرورة ملحة فقط، بل اصبح مسألة وجود وإستمرار للأنظمة العربية، وللنظام العربي المتهالك الذي اعلنت اسرائيل بضرباتها الاخيرة دخوله مرحلة الانعاش والنزاع الاخير.