الاندماج الحزبي بين وهم السرعة وحقيقة البناء: رؤية معمقة للأردن
إياد عبدالفتاح النجار
10-09-2025 09:28 PM
بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، تصاعد الحديث حول دمج الأحزاب السياسية في الأردن كحل سريع لتعزيز التمثيل البرلماني ومعالجة ما يبدو ضعفًا في الأداء الحزبي. لكن الواقع يفرض ضرورة التوقف عند هذا الطرح وتحليله بعمق، فالعملية الديمقراطية لا تتحمل خطوات شكلية غير مدروسة. المشهد الحزبي الأردني يواجه تحديات مركبة ومتداخلة، تشمل ضعف الثقة الشعبية في الأحزاب بسبب غياب التواصل الحقيقي مع المواطنين، الانقسامات الداخلية التي تعيق اتخاذ القرارات وتوحيد الجهود، القيود المالية التي تحد من قدرة الأحزاب على تنفيذ برامجها، فضلاً عن غياب برامج عملية وقابلة للتطبيق تلمس احتياجات الناس اليومية. هذه العوامل تجعل أي اندماج متسرع محفوفًا بالمخاطر، وقد يؤدي إلى تعزيز الهشاشة بدلًا من بناء قوة سياسية حقيقية.
أسباب ضعف المشهد الحزبي متعددة. القيود المالية تعتبر من أبرزها، إذ غالبًا ما تكون الموارد محدودة ولا تتناسب مع حجم العمل المطلوب لتفعيل برامج واقعية والوصول إلى المواطنين. الإجراءات القانونية والإدارية، رغم أهميتها في ضبط العمل السياسي، تشكل عبئًا على الأحزاب وتعيق مرونتها في التنظيم وإدارة نشاطها، ما يضعف قدرتها على البناء الداخلي والتوسع في القاعدة الجماهيرية. التركيز على الأحزاب التي حققت تمثيلًا برلمانيًا دون غيرها يولّد شعورًا بعدم العدالة ويُهمش دور الأحزاب الأخرى، مما يقلل من ثقة الناس بالعملية السياسية ويجعل الاندماج مجرد عملية شكلية تهدف إلى تقليص العدد دون معالجة الجوهر. هذا الوضع يؤدي إلى فقدان التمثيل الشعبي الحقيقي، وضعف قدرة البرلمان على أن يكون منصة فاعلة للتغيير السياسي والاجتماعي، كما يحد من قدرة الأحزاب على تطوير برامج استجابة لمطالب المواطنين.
النتائج المترتبة على هذا الواقع واضحة. أي اندماج يتم تحت ضغط الوقت أو كحل إداري دون استراتيجية واضحة سيؤدي إلى خلق كيانات حزبية ضعيفة غير قادرة على التأثير، مع استمرار الانقسامات الداخلية وفقدان الثقة الشعبية، وتراجع المشاركة المجتمعية في العمل السياسي. كما أن هذا النهج قد يؤدي إلى استقطاب سياسي غير صحي، حيث تصبح القرارات الحزبية مرتبطة بالمصالح الشخصية بدلاً من المصلحة الوطنية، ويصبح البرلمان مساحة رمزية لا تعكس تمثيل المواطنين بشكل حقيقي، ما يهدد استقرار العملية الديمقراطية على المدى الطويل.
الحلول تتطلب مقاربة شاملة وطويلة المدى، تبدأ ببناء قاعدة جماهيرية واسعة وقوية، عبر التواصل المستمر مع المواطنين وفهم احتياجاتهم الحقيقية، وصياغة برامج عملية قابلة للتطبيق تعكس هذه الاحتياجات. من الضروري أن ترافق هذه الجهود إجراءات من الدولة لدعم الأحزاب جميعها، بما يشمل مراجعة آليات التمويل وربطها بالعمل الفعلي والإنجازات، وليس فقط بعدد المقاعد، بالإضافة إلى تبسيط الإجراءات القانونية والإدارية وتسهيل تأسيس النشاط السياسي وحماية حقوق جميع الأطراف بشكل متوازن. كما يجب توفير منصة إعلامية عادلة تسمح لجميع الأحزاب بعرض برامجها ومبادراتها، وتشجيع الحوار السياسي المستمر الذي يعترف بالتعددية كمصدر قوة وليس تهديدًا، ويخلق بيئة تتيح للأحزاب المشاركة الفعلية في صناعة القرار واتخاذ السياسات العامة.
النجاح في بناء تجربة حزبية ناضجة يعتمد أيضًا على إدراك أن الإصلاح يحتاج إلى صبر وتراكم خبرات وثقة متبادلة بين المواطن والحزب، مع دعم مستمر من الدولة في الجوانب القانونية والمالية والإعلامية. كل حزب، سواء كان لديه تمثيل برلماني أم لا، يجب أن يكون جزءًا من المشهد السياسي بشكل فعّال، لأن التركيز على البعض وإقصاء الآخرين يولّد خللاً في التمثيل ويضعف التعددية، التي تمثل العمود الفقري للعمل الديمقراطي المستدام.
الأردن اليوم أمام فرصة تاريخية لبناء مشهد حزبي متوازن وقوي، يعتمد على المنافسة العادلة، وتمكين الأحزاب من ممارسة نشاطها بحرية ومسؤولية. النجاح لن يُقاس بعدد الأحزاب أو المقاعد فقط، بل بقدرتها على تحسين حياة المواطنين، وتمكينهم من المشاركة في صناعة القرار، وبناء مؤسسات سياسية قادرة على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، مع تعزيز التعددية كمصدر قوة حقيقية. إن عملية الإصلاح الحزبي هي رحلة طويلة، لكنها ضرورة حيوية لبناء مستقبل سياسي ناضج ومستقر، يضع مصلحة الوطن والمواطن في قلب كل قرار وممارسة سياسية.
*إياد عبد الفتاح النجار/ الأمين العام لحزب القدوة الأردني.