في السلط، لم يكن السوق وحده هو النابض بالحياة، بل المجالس أيضًا. فقد اجتمعنا في بيت أحد الأعيان، وكان المجلس مكتظًا برجال من قبائل مختلفة: بعضهم من البدو نزلوا إلى المدينة للبيع والشراء، وبعضهم من الفلاحين، وآخرون من وجهاء السلط نفسها. الحديث بينهم لم يخلُ من السياسة، فقد كانوا يتجادلون حول الضرائب التي تفرضها الدولة العثمانية، وحول النزاعات مع القبائل التي تهدد المزارع والطرق.

لقد بدا لي أن السلط تمثل نقطة حساسة: فهي صلة الوصل بين وادي الأردن والبادية الشرقية، ومن يسيطر عليها يملك نفوذًا على الطريق التجاري المؤدي إلى دمشق والقدس. لذلك كان أهلها دائمًا في موقع تفاوض مع السلطة العثمانية من جهة، ومع القبائل المحيطة من جهة أخرى.

النساء في السلط يتميزن بلباسهن المزركش المطرز، والذي يختلف قليلًا عن لباس نساء البادية. كنّ يظهرن في السوق وهنّ يبعن منتجات الأرض: سمن، جبن، زيت، وصوف مغزول. رأيتهن يساومن التجار بمهارة لا تقل عن الرجال، مما جعلني أوقن أن المرأة هنا شريكة فاعلة في الحياة الاقتصادية.