الحزب الوطني الإسلامي بين النقد البنّاء واستحقاقات المرحلة القادمة
م. بسام ابو النصر
13-09-2025 07:13 PM
يمر الحزب الوطني الإسلامي بمرحلة دقيقة تتشابك فيها الحسابات الداخلية مع استحقاقات المشهد الوطني، حيث جاء تشكيل المكتب السياسي الجديد قبل انقضاء الدورة السابقة، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل أروقة الحزب ومجلسه المركزي. وبينما أبدى عدد من الأعضاء دعمهم للأمين العام في قيادة المرحلة المقبلة عبر مكتب سياسي معدل، ارتفعت أصوات أخرى تنتقد الأداء الذي تم التعبير عنه بالضغوط التي مورست على المكتب السياسي في الكثير من القرارات المتعلقة بالانتخابات وتعديل الكثير من التشريعات، وتطالب بتصويب البيت الداخلي وتعزيز وحدة الصف بما يليق بتطلعات الحزب وقاعدته الشعبية.
لقد أثبتت التجربة أن المكتب السياسي – مهما كان طموح أعضائه – لن يحقق أهدافه إذا لم يقترن بوجود إرادة سياسية صلبة من القيادة الحزبية، توجه بوصلة العمل وتضمن وضوح الرؤية. ومع ذلك،فقد ضمت القيادة الجديدة مجموعة من قيادات سياسية جديدة العهد بالحزب ولكن لديها طموح كبير ومن عاد من المكتب السابق فقد حمل معه طموح كبير في اطار يجعل من هذا التلاقح مكسبا للحزب في الثمانية عشر شهرا القادمة ، وهو ما يمنحها فرصة فريدة لردم الهوة التي خلفتها التجاذبات الداخلية في السنوات الماضية، وإعادة بناء بيئة حزبية إيجابية قائمة على استيعاب الجميع بروح مسؤولة.
العمل الحزبي، شأنه شأن أي عمل عام، يحتاج إلى الصدق في المعطيات والصبر في الوصول إلى الغايات. والحزب أمامه عام ونصف فقط حتى موعد الانتخابات المقبلة التي ستفرز أميناً عاماً جديداً وهياكل تنظيمية جديدة. هذه الفترة القصيرة نسبياً ستكون اختباراً حقيقياً لقدرته على تجاوز التباينات الداخلية، وبناء قوة ذاتية تضمن له الاستمرار والتأثير في الساحة الوطنية.
وهنا تبرز ضرورة أن لا يُختزل العمل في المكتب السياسي وحده، بل أن تُبنى هياكل حزبية واضحة تشارك فيها جميع الكفاءات. هذه الهياكل يجب أن تشمل دوائر متخصصة في الإعلام، والسياسة، والحكم المحلي، والشؤون القانونية ولجان تساهم في وضع برنامج الحزب بشكل يضمن نجاحه وفعاليته، على أن يتم تعيين ناطق إعلامي رسمي باسم الحزب يعكس مواقفه بوضوح وينقل رسالته للرأي العام. وجود مثل هذه المنظومة سيخلق بيئة عمل متناغمة، ويمنح الأداء الحزبي طابعاً مهنياً مؤسسياً بعيداً عن الفردية.
كما أن المرحلة المقبلة تستدعي استقطاب قيادات وطنية وازنة، قادرة على تعزيز حضور الحزب في المشهد السياسي، إلى جانب تفعيل دور القيادات التقليدية التي كان لها شرف التأسيس والاندماج. غير أن هذا الدور يجب أن يُمارس وفق مهنية حزبية رصينة، بحيث يكون رافداً للقيادة لا منافساً لها، ويقتصر على تقديم النصح والمشورة في إطار مؤسسي. ومن هنا، تبدو الحاجة ملحة إلى إنشاء مجلس خبراء حزبي يضم هذه القيادات التقليدية، تكون مهمته إعداد مقترحات متكاملة لتطوير النظام الأساسي للحزب بما يضمن الاستمرارية والقوة. والغاية من هذا المجلس هي ترسيخ العمل المؤسسي، وتجاوز المنهجيات الفردية التي قد تستفيد من معطيات آنية أو مصالح شخصية لا تخدم المشروع الحزبي على المدى البعيد.
نجاح الحزب الوطني الإسلامي في هذه المرحلة يتطلب أيضاً أن تقوم القيادة الحالية بتخويل الصلاحيات بشكل أوسع في المجالات الإدارية والإعلامية والفكرية والسياسية، بما يوسع دائرة المشاركة ويضخ دماء جديدة في مختلف المستويات التنظيمية. كما يجب أن يبقى هناك توافق عام على أن الحزب يعمل وفق معطيات وطنية، ملتزماً بالولاء للدولة والوقوف إلى جانبها في المراحل المفصلية، وفي الوقت ذاته محتفظاً بحقه في ممارسة النقد البنّاء، وتصويب الأداء الحكومي، وتقديم المشورة والمناصحة كجزء من دوره الطبيعي في الحياة السياسية، وأن يكون هناك حاجة لتقديم بعض الشخصيات الوازنة في الحزب القادرة على ممارسة دور الوظيفة العامة للحكومات المتعاقبة وان تكون المشاركة شرط لمنح الثقة.
إن التحدي الأكبر أمام الحزب الوطني الإسلامي ليس مجرد تعديل في تشكيل المكتب السياسي، بل في قدرته على أن يتحول إلى ظاهرة وطنية نوعية، تقوم على الموقف والنهج والفكرة، لا على الأرقام والشعارات. وهذا لن يتحقق إلا من خلال تكامل أدوار القيادة الجديدة مع خبرة القيادات التقليدية، وتوسيع الهياكل الحزبية، وإطلاق العنان للتنوع الفكري والسياسي ضمن إطار من الانضباط المؤسسي. حينها فقط سيكون الحزب قادراً على أن يرسخ حضوره كقوة سياسية إصلاحية بمرجعية إسلامية، تثري المشهد السياسي الأردني، وتعيد الاعتبار للعمل الحزبي كرافعة إصلاح وتنمية في مشروع الدولة.