عانت معظم محافظات الأطراف من ضعف التنمية إلا أن معان واجهت ضغوطاً مضاعفة لسببين أساسيين: اتساع مساحتها الجغرافية من جهة، وانخفاض كثافة سكانها من جهة أخرى. هذان العاملان جعلا المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي أقيمت فيها أكثر عرضة للفشل نظراً لتشابه أنماطها وافتقارها إلى دراسات جدوى تراعي خصوصية المحافظة. ومع أن الحكومة تعول على هذه المشاريع في خلق فرص العمل، إلا أن النتيجة جاءت معاكسة، إذ ارتفع عدد الغارمين والغارمات وتوسعت جيوب الفقر بدل أن تعالج.

إن كسر هذه الحلقة لا يمكن أن يتحقق إلا بجهد مشترك، فالمجتمعات المحلية مطالبة أولاً بمراجعة قناعاتها والانتقال تدريجياً من التعليم التقليدي إلى التعليم التقني والتكنولوجي والانفتاح على المهن والحرف بمختلف مستوياتها، وعلى الشباب أن يدركوا أن الجهاز الحكومي لم يعد قادراً على استيعاب أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل، وأن فرص التوظيف فيه أصبحت محدودة وتشترط كفاءات عالية.

لكن التغيير المطلوب لا يقف عند حدود التعليم والمشاريع الصغيرة، بل يجب أن يشمل التفكير في استغلال ميزات معان الاستراتيجية. فالمحافظة تملك موقعاً مميزاً على خطوط التجارة والنقل الإقليمي، ويمكن تحويلها إلى مركز لوجستي وصناعي يخدم الجنوب والأردن ككل. كما أن مناخها ومساحتها الشاسعة يفتحان المجال أمام مشاريع الطاقة المتجددة، خصوصاً الطاقة الشمسية والرياح، بما يعزز أمن الطاقة الوطني ويوفر فرص عمل نوعية.

إلى جانب ذلك، تضم معان أحد أهم الكنوز السياحية عالمياً، مدينة البتراء وما يجاورها من مواقع تاريخية مثل وادي رم والشوبك. هذه المقومات إذا ما وظفت ضمن استراتيجية تنموية متكاملة، ستجعل من معان مركزا للسياحة المستدامة، ومصدراً رئيسياً لفرص العمل والاستثمار، بدل أن تبقى المحافظة محصورة في صورة الفقر والبطالة.

تتحمل الحكومة مسؤولية أساسية في غياب المرجعية التنموية الموحدة، فبرغم وجود صناديق تمويل وبرامج متعددة، إلا أن ضعف التنسيق وتشتت الصلاحيات جعل الجهود التنموية أقرب إلى جزر منفصلة ما أدى إلى أثر محدود وزيادة الفجوة بين المركز والأطراف.

ومن هنا فإننا نتطلع يا دولة الرئيس إلى رؤية سياسية وتنفيذية واضحة تستحدث جهة رسمية وازنة مسؤولة عن ملف تنمية المحافظات. وزارة أو هيئة عليا تعمل بفريق متخصص، توحّد الجهود المبعثرة، وتعيد رسم السياسات على أسس علمية وعملية متوازنة، وتستثمر في مقومات المحافظات، لتحويلها من محافظات مهمشة إلى نموذج وطني في التنمية المستدامة.