دور وزارة الشباب الأردنية في إدارة ملف التمكين السياسي
عبدالله حمدان الزغيلات
18-09-2025 07:06 PM
يشكل محور التمكين السياسي أحد أبرز التحديات والفرص في آن واحد أمام وزارة الشباب، باعتباره مدخلًا رئيسًا لتعزيز مشاركة الشباب في الحياة العامة وعملية صناعة القرار في الأردن. فالمجتمع الأردني يعلق آمالًا كبيرة على فئة الشباب، وهو يعيش مرحلة تحديث سياسي متجددة، لكونهم الطاقة الأكثر حيوية وقدرة على إحداث التغيير. ومن هنا تبرز مسؤولية وزارة الشباب في إدارة هذا الملف برؤية واضحة تجمع بين واقع التحديات المرتبطة بضعف المشاركة وتراجع الثقة، وبين الطموحات المأمولة في خلق بيئة سياسية جاذبة تتيح للشباب التعبير والمبادرة والانخراط الفاعل في المؤسسات الوطنية والأحزاب السياسية على وجه الخصوص.
وها نحن على مشارف نهاية العقد الأول لعودة وزارة الشباب إلى الواجهة، حيث تعد هذه العودة الميمونة ترجمة لمتطلبات المرحلة لإيجاد جيل من الشباب القوي، والمبادر والمسلح بالعلم والمعرفة؛ ليكون أحد الشركاء الفاعلين في بناء الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية السليمة بعيدًا كل البعد عن التطرف والغلو والسلوكيات السلبية، وذلك وفقًا لما جاء في كتاب التكليف السامي لحكومة الدكتور هاني الملقي الأولى. كما أعيدت وزارة الشباب بموجب نظام التنظيم الإداري رقم (78) لسنة 2016 إلى حيز الوجود بعد غيابها عن تشكيلات الحكومات لمدة أربعة سنوات متواصلة آنذاك، وتعد عودة وزارة الشباب خطوة مهمة باعتبار أن وزيرها يمثل قطاع الشباب في مجلس الوزراء، مما يعزز إيلاء أهمية كبيرة لكافة القضايا الشبابية، ولا سيما طبيعة عملها يكمن في تفعيل القرارات لخدمة القطاع الشبابي؛ فالوزير صاحب سلطة باعتباره -موظف سيادي- تفوق سلطته رئيس المجلس الأعلى للشباب.
وتنفيذًا للتوجيهات الملكية فيما يتعلق بالشباب، والتي ترجمت من خلال مضامين كتاب التكليف السامي بعودة المظلة المؤسسية الشبابية الأولى، لم تغيب وزارة الشباب عن الحقائب الوزارية المتعاقبة حتى حكومة الدكتور جعفر حسان الحالية.
قد تكون وزارة الشباب والنظر إليها بأنها حقيبة إرضاءيه أمرًا غير عادل وغير منصف للشريحة الأهم والأكثر تعدادًا في المجتمع، فملف الشباب يعد أولوية ملحة نتيجة التحولات التي حدثت في الآونة الأخيرة، وهذا الملف رئيس واستراتيجي على طاولة الدولة، لما تقوم الوزارة به من دور ريادي ومهم وكبير في الأعمال ذات الطابع الشبابي، كما يتم الوصول بالعديد من الأنشطة إلى الشباب في محافظات المملكة كافة، لكن تحتاج إلى المزيد من بناء شراكات وتعاون من قبل مؤسسات الدولة المختلفة. ومن أسمى مهام الوزارة رسم السياسات والخطط التنفيذية الكفيلة لإدماج الشباب، وتفعيل مشاركتهم في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، ووضع البرامج لتحفيز الشباب وتمكينهم واستثمار طاقاتهم، وفي الوقت ذاته لم تكن تلك الجهود كافية لتحظى برضى الشباب الذي أصبح همه الأول والأخير الحصول على وظيفة مناسبة تضمن له عيش كريم، مما أصبح هاجس الوزارة وكوادرها لتجاوز هذا التحدي.
إن مهمة وزارة الشباب تتمثل في نقل الشباب من مرحلة الاحتقان إلى مرحلة العمل السياسي، وصولا إلى مرحلة التغيير الذي يلبي رغباتهم؛ إذ يوجد تركيز غير مسبوق نحو موضوع الشباب ابتداءً من توجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ولقاءاته الدورية مع الشباب، ونشاط ولي العهد سمو الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، في الوقت الذي شددت فيه القيادة السياسية على أهمية التحول الكبير في الخطاب الموجه للشباب، سعت وزارة الشباب لإدماج الشباب في العمل السياسي وإيجاد الطريق نحو مشاركة الشباب بالحياة العامة والسياسية، ولابد من الإشارة إلى أنه هنالك شريحة اجتماعية مسكونة بحالة غضب واحتقان وعدم الشعور بالرضا جراء الواقع السياسي القائم، مما أدى إلى انعكاس ذلك على المواقف الاجتماعية والسياسية مع وجود الفجوات التي يشعر بها الشباب الأردني، بما فيها فجوة الثقة بين الحكومات والشعب من جهة، والشباب في المحافظات من جهة أخرى، الأمر الذي دعي وزارة الشباب من التركيز على المحور السياسي لتعزيز الممارسات الديمقراطية وإكساب الشباب المهارات اللازمة، وتوسيع دائرة الحوار فيما بينهم.
تعزم الوزارة على إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب للمرحلة القادمة بعد قرب انتهاء الخطة التنفيذية الاستراتيجية الحالية 2019/2025، التي عالجت الكثير من القضايا التي تهم قطاع الشباب، وعرضت التحديات التي تواجههم باعتبارهم الشريحة الأوسع في المجتمع، كما قامت بإبراز محاولة تطوير محتوياتها كي تتناسب مع الأجندة الحكومية والأولويات الوطنية لمواكبة التطور في خطاب الدولة الأردنية تجاه الشباب.
فيما يلي نظرة لأبرز المحاور التي تضمنتها الاستراتيجية الوطنية للشباب لعام 2019/2025:
1- الشباب والتعليم والتكنولوجيا.
2- الحاكمية الرشيدة وسيادة القانون، والمواطنة الفاعلة.
3- الريادة والتمكين الاقتصادي.
4- المشاركة والقيادة الفاعلة.
5-الأمن والسلم المجتمعي.
6- الشباب والصحة والنشاط البدني.
وفيما يتعلق بإيجاد موقع للشباب في عملية التحديث السياسي من خلال الاستراتيجية، أبرزها محور الحقوق والواجبات من خلال تعزيز المشاركة المدنية والسياسية لدى الشباب. تمتد الاستراتيجية الوطنية للشباب حتى العام الحالي (2025)، وهي تجسد الاهتمام الذي يحظى به الشباب من قبل القيادة السياسية، حيث وجه جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين الحكومة لإعداد وتطوير الاستراتيجية لتتلاءم مع الاهتمام الكبير من قبل المسؤولين لهذه الفئة العمرية بوصفها أكبر شرائح المجتمع.
ومن أبرز أهداف الاستراتيجية:
1- الارتقاء بالعمل الشبابي.
2- تنمية قدرات الشباب المعرفية والمهاراتية والقيمية.
فيما يخص إعداد الاستراتيجية، فقد شكل مجلس الوزراء سابقًا اللجنة التوجيهية العليا بعضوية كل من الوزارات والمؤسسات المعنية لتنفيذ الاستراتيجية، والتأكد من سير العمل بها، حيث اتاحت الأهداف المحددة للشباب الأردني فرص المشاركة في الحياة السياسية والعامة، والتعامل مع المستجدات والتغلب على التحديات القائمة، لقيت برامج الاستراتيجية اهتمامًا كبيرًا لغايات تحقيق الأهداف، لكن ما زال قطاع الشباب يحتاج الكثير من الجهد والعطاء، وعليه، ينبغي لتنفيذ الاستراتيجية القادمة بالشكل الأمثل تعظيم المسؤولية المشتركة على عاتق الجميع حتى لا تكون حبرًا على ورق أو مجرد وثيقة نظرية.
فيما يلي أبرز مشاريع وزارة الشباب فيما يتعلق بإدماج الشباب وإشراكهم في الحياة السياسية:
1- إطلاق برنامج تدريبي عملي عن الحياة السياسية والعمل السياسي، وبناء تيارات سياسية شبابية، وذلك من خلال إنشاء المعهد السياسي لإعداد القيادات الشبابية وبرامجه؛ حيث قامت الوزارة بدعمه ماليًا ولوجستيًّا.
2- تحويل المراكز الشبابية إلى مراكز حوارية واستحداث أساليب جديدة كالمناظرات السياسية، وذلك تزامنا مع مباشرة عمل المعهد السياسي بتدريب الشباب وإكسابهم المهارات اللازمة للعمل الشبابي والسياسي، بالإضافة إلى إطلاق مشروعي الحكومة الشبابية التدريبية والبرلمان الشبابي التدريبي.
3- العمل على توطين المبادرات ذات الطابع السياسي ضمن مظلة الوزارة، حتى تتمكن هذه المبادرات من الحصول على الإطار الرسمي، الذي يمكنهم من تنفيذ أنشطتهم على النحو المطلوب.
من المعلوم أن الحكومة لديها إرادة في ربط قطاع الشباب مباشرةً بملفات التحديث السياسي، وليس الاكتفاء بالأنشطة والبرامج التقليدية التي تخص الشباب، ووجود شخصية ذات خبرة سياسية وتنموية قد يشير إلى رغبة الحكومة في إعداد الشباب للمشاركة الفاعلة في الحياة العامة وربطهم بمشاريع تعود بالنفع والفائدة على الدولة والمجتمع، وهذا ما دعى الحكومة مؤخرًا من اختيار الدكتور رائد العدوان لحقيبة الشباب في تعديلها الأخير.
ليست الصدف وحدها تتقاطع مع الدوافع؛ فهنالك نية حقيقية وتوجه فعلي نحو تطوير هذا القطاع، لكن مع مراعاة الاعتبارات السياسية في آن واحد، مما يفسر توجه الحكومة نحو ضخ دماء جديدة ذات طابع سياسي وفكري في وزارة تعنى بفئة الشباب، وهي الفئة الأوسع في المجتمع، علمًا أنه الدكتور لم يتجاوز السابعة والأربعين من عمره، فيكون بذلك قريب من الشباب وأفكاره، بما يعزز من أدوارهم في بناء مستقبل الدولة، وتوسيع مشاركتهم الفاعلة في الحياة العامة والسياسية.
وفي خضم هذه التحولات، يترقب الشارع الأردني إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب 2026/2032 (مدة زمنية تصورية) بصيغتها الجديدة، وما ستحمله في طياتها من برامج وخطط تترجم أولويات المرحلة. ولعل الأهم في هذه الاستراتيجية هو تركيزها على محورين متلازمين:
- تشغيل الشباب بوصفه المدخل الأساسي لتحقيق الاستقرار الاجتماعي الاقتصادي.
- تذليل المعيقات لإدماج الشباب في العمل الحزبي كخطوة عملية لترسيخ مفهوم المشاركة السياسية وتعزيز ثقة الجيل الجديد بمسار التحديث السياسي.
نجاح الاستراتيجية المقبلة لن يقاس فقط بمدى ما تقدمه من مشاريع تدريبية أو مبادرات شبابية، بل بقدرتها على تحويل الشباب إلى طاقات منتجة ومؤثرة في الشأن العام.
وختامًا نادت توصيات الدراسات العلمية والأكاديمية بالتركيز على الشباب وتمكينهم ودعمهم وإشراكهم في عملية صنع القرار، والتأكيد على تجسيد بنود الاستراتيجية الوطنية على أرض الواقع من خلال وجود خطة تنفيذية واضحة تتضمن جميع الأولويات لغايات إطلاق الاستراتيجية الجديدة للأعوام المقبلة.