التلفزيون الأردني ورهانات المرحلة القادمة
محمد ابوسماقة
23-09-2025 10:18 PM
أتحدث اليوم بعيداً عن أي أهداف شخصية، رغم أنني من المتضررين المباشرين من غياب الإنتاجات الدرامية خلال السنوات الماضية. علاقتي مع مؤسسة التلفزيون الأردني بدأت منذ عام 1998 في مجال الإنتاج البرامجي والدرامي، وكان أول عمل درامي كتبته بعنوان التراب الأحمر قد حظي بإنتاج تنفيذي عام 2001 مع أخي العزيز الراحل محمد البرماوي. هذه التجربة شكّلت بداية لمسيرة طويلة مع الشاشة الوطنية، وما زالت العلاقة قائمة حتى اليوم.
ومن هذا المنطلق، أجد أن مبادرة التلفزيون الأردني في الإعداد المبكر لدورته البرامجية الخاصة بشهر رمضان المبارك تمثل خطوة متقدمة تؤكد أن لدى رئيس مجلس الإدارة رؤية واضحة وخطة مدروسة لرفع مستوى المحتوى المقدم على الشاشة. فالإعداد المبكر يمنح وقتاً كافياً للإنتاج والاختيار، ويجنّب المؤسسة الوقوع تحت ضغوط الوقت، على عكس ما كان يحدث في مجالس الإدارة السابقة التي غالباً ما اتخذت قراراتها متأخرة.
ومن المعروف أن معظم المحطات التلفزيونية، سواء الحكومية أو الخاصة، تراهن على موسم رمضان لتعزيز إيراداتها من خلال الإعلانات والرعايات. ومن هنا نفهم قرار مجلس الإدارة بالتحضير منذ وقت مبكر لإنتاج برنامج أو مسلسل كوميدي هادف، وهي خطوة غير مسبوقة تحسب للمجلس الحالي وتظهر حرص رئيسه على رفع مستوى الإنتاج والمحتوى.
لكن من المهم التوضيح أن تراجع الدراما الأردنية ليس مسؤولية التلفزيون وحده، بل هو نتيجة علاقة شائكة تتداخل فيها أطراف عدة، وهذا ما يستدعي وقفة أخرى معمّقة. ومع ذلك، يظل التلفزيون الأردني حجر الأساس في صناعة الدراما الوطنية، والجهة الأكثر تأثيراً في حاضرها ومستقبلها.
أما في ما يخص كلفة الإنتاج، فمن الصعب اليوم تقديم محتوى عالي المستوى بتكاليف متواضعة، فالجودة تتطلب تقنيات وإمكانات إنتاجية مناسبة. وعليه، فإن إنتاج البرامج الكوميدية الهادفة لا يجب أن يأتي على حساب الدراما، لأن للدراما حصتها ووقتها وأهدافها الخاصة. وإذا أردنا أن ننتج أعمالاً درامية، فلا بد أن تكون بمستوى رفيع من حيث الفكرة والمضمون والإمكانات.
اللافت أيضاً أن الخطة الحالية لا تقتصر على الإنتاج المباشر فقط، بل تشمل السعي الجاد لرفع أسعار شراء الأعمال الدرامية الأردنية إلى مستويات مضاعفة مقارنة بما هو معمول به حالياً، شرط أن تكون هذه الأعمال على مستوى عال وتلبي الشروط والمعايير الموضوعة. وهذا تطور مهم يعكس جدية المجلس في دعم الدراما الوطنية وتحفيز صناعها على الإبداع.
إن تكليف شركات إنتاج أو شخصيات تمتلك خبرة ورؤية واضحة في مجال الإنتاج الذي تريده المؤسسة، هو مؤشر صريح على إصرار التلفزيون الأردني وسعيه إلى إنتاج محتوى قوي ومنافس. وهنا نتطلع إلى عطوفة رئيس مجلس الإدارة وأعضاء المجلس لاتخاذ حزمة من القرارات المصيرية التي نعتقد أنها ستكون مبشرة لمرحلة قادمة تحمل تباشير الأمل للدراما الأردنية. ولعل أول هذه القرارات وضع أسس ومعايير دقيقة للتقييم تحافظ على الجودة والمستوى، يليها اعتماد أسعار عادلة وقوية لشراء المسلسلات الأردنية، بما يعكس قيمة الجهد المبذول ويضمن استمرارية الصناعة.
إننا أمام فرصة تاريخية لإعادة الاعتبار للدراما الأردنية، وإطلاق مرحلة جديدة تعزز حضورها محلياً وعربياً، وتعيد لها مكانتها كصوت أصيل يعبر عن المجتمع الأردني ويقدم صورته الحقيقية.