facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الوعي أولاً .. قراءة عقلانية لحوادث العنف في الأردن


عقيد متقاعد محمد الخطيب
28-09-2025 10:54 AM

خلال الأسابيع القليلة الماضية، شهدت بعض مناطق الأردن عدد من الجرائم الفردية المؤسفة، تنوّعت بين خلافات شخصية، ومشاجرات جماعية، واعتداءات، توزّعت على محافظات مختلفة مثل عمّان، جرش، الزرقاء والأغوار الشمالية. ورغم أن هذه الحوادث وقعت في إطار زمني قصير، إلا أنها أثارت قلقا واسعا في الشارع الأردني، وسرعان ما تصدّرت المشهد العام عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

لكن، هل نحن أمام موجة عنف استثنائية؟ أم أن ما نشهده هو تضخم في الإدراك المجتمعي نتيجة الزخم الإعلامي؟

البيانات الرسمية تُظهر أن معدل جرائم القتل في الأردن لا يزال من بين الأدنى عالميا، حيث بلغ حوالي 1.1 لكل 100 ألف نسمة عام 2022، وهو ما يُصنّف ضمن الدول ذات المعدلات المنخفضة. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الشعور المتصاعد بالخوف والقلق لدى المواطنين، وهذا ما يستدعي قراءة متأنية وواعية.

ما نعيشه ليس بالضرورة ارتفاعا حقيقيا في الجريمة، بل هو ارتفاع في الشعور بوجود الجريمة، وهو ما يُعرف في علم الاجتماع بـ"تضخيم الخطر عبر التغطية الإعلامية" (Media Amplification Effect). فعندما تقع عدة حوادث خلال فترة قصيرة، وتُغطى بشكل مكثّف ومتكرر، يبدو للمجتمع وكأننا أمام ظاهرة عامة، حتى لو كانت الأرقام تشير إلى غير ذلك.

وتلعب وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي دورا محوريا في هذا المشهد، حيث أصبحت تغطي الجرائم لحظيا وبصيغ درامية ومشحونة عاطفيا، ما يخلق أثرا مضاعفا في الوعي الجمعي، ويزيد من مشاعر القلق، خاصة لدى الفئات الشابة.

ما يدعو للتوقف ليس فقط عدد الحوادث، بل تنوع أسبابها ومواقعها: من خلافات مالية، إلى مشاجرات عائلية، إلى خلاف على اصطفاف مركبة. هذا التنوع يؤشر إلى توتر اجتماعي عام، وربما تراجع في قدرة الأفراد على إدارة خلافاتهم بشكل سلمي. كما أن بعض الحوادث تكشف عن خلل في مهارات ضبط النفس، وغياب ثقافة الاحتكام للقانون.

إضافة لذلك، لا يمكن إنكار أثر الضغوط الاقتصادية والمعيشية التي تمر بها بعض الفئات، وما تسببه من تآكل في الصبر الاجتماعي، خصوصا في ظل تزايد معدلات البطالة وتراجع شبكات الدعم النفسي والاجتماعي.

وفي ظل الانفتاح الرقمي، يتعرض شبابنا وشاباتنا يوميا لمئات المحتويات والأفلام ومقاطع الفيديو عبر منصات التواصل، والتي أحيانا ما تُروّج للعنف أو تُقدّم نماذج خاطئة في التعامل مع الخلافات. هذه الوسائل باتت تؤثر في تشكيل القيم والسلوك، وأحيانا بشكل يتجاوز دور الأسرة أو المدرسة، ما يجعل من الضروري العمل على تعزيز الوعي الرقمي والإعلامي لدى الجيل الجديد، وتمكينهم من التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مضلل.

ما هو مطلوب الآن هو أن نتعامل مع هذه الظواهر برؤية شاملة لا تكتفي بردود الفعل الوقتية، بل تبني استراتيجية متكاملة تبدأ بتعزيز سيادة القانون وتطبيق العدالة بسرعة وشفافية، مرورا بتشديد الرقابة على السلاح غير المرخص ومصادر العنف، ودعم البرامج الوقائية في المدارس والجامعات لتعليم مهارات حل النزاع وضبط الانفعالات، وصولا إلى إطلاق حملات إعلامية مسؤولة ومتزنة توازن بين نقل الحقيقة وتجنب التهويل، مع ضرورة الاهتمام بالصحة النفسية واعتبارها ركيزة أساسية من ركائز الأمن المجتمعي، وتمكين العائلات من استعادة دورها التربوي وسط زحام المؤثرات الرقمية والتغيرات المتسارعة في منظومة القيم.

إن ما نشهده اليوم لا يعني بالضرورة تصاعدا عدديا في الجريمة، بل يعكس تحولات اجتماعية ونفسية وسلوكية تحتاج إلى قراءة هادئة وواعية، وإلى تعامل مسؤول يبتعد عن المبالغة أو الإنكار. الوعي، ثم الوعي، هو خط الدفاع الأول لحماية مجتمعنا، وتحصين شبابنا، وضمان استمرار الأمن والاستقرار الذي نفاخر به.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :