لم يكن خافياً على أحد أن الأحزاب التي ظهرت ونشأت في الثلاث سنوات الأخيرة كانت ظاهرة غير مسبوقة في عددها وفي نوعية المنتسبين إليها في الغالب وفي قياداتها وفي التنقلات بينها والحرد والإستقالات ، والأهم من ذلك كله في الترويج والإستقطاب .
ولم يكن غريباً أبداً على أي صاحب بصيرة الفشل الذريع لها في أول اختبارٍ لقناعة الناس بها من خلال الإنتخابات البرلمانية التي دخلتها هذه الأحزاب وقد ملأت الفضاء ضجيجاً وأوهاماً ، تبدّدت على صخرة وعي الشعب ودقّة تقديره وعلى جبالٍ من القناعات التي ترسّخت حيال الرموز فيها وبوجود معيارٍ متّزنٍ متجذّر من الموثوقية صار الناس يحكّمونه ويحتكمون إليه في التقييم .
كان واضحاً بجلاء أن المتحزّبين الجدد هم أبعد الفئات ميلاً إلى الفكرة الحزبية أو القناعة بها ، وهم الذين يؤمنون بالمشروع الوصولي بلا تبعات وبفردانيّةٍ نرجسيّة عنوانها " اللهمّ نفسي " فولجوا سبيل الأحزاب وكل واحدٍ له مشروعه الخاص به ومأربه الذي يريد تحقيقه وبسرعةٍ فائقة لا تحتمل التأجيل أو التسويف .
وها قد تبخّرت أحلام البعض في تحقيق الأماني والأحلام وربما زيف الوعود والعهود فتعرّضت هذه الأحزاب إلى أول زلزلةٍ جعلتها تبحث عن مقوّماتٍ للصمود والتماسك الذي لن يتحقق في ظلّ المفهوم الخاطئ للأحزاب لدى القائمين على هذا المشروع الذي بدأ المسير خارج السكّة منذ البداية . وكنت قد كتبت هنا على عمّون في بداية التفقيس الحزبي أنها أحزاب القطفة الواحدة . وها هي بعد القطفة الأولى تحاول التشبّث بالبقاء من خلال الفكّ والتركيب والتشكيل الذي لا يظهر له أسبابٌ موضوعية إلا المحاولات اليائسة لتدارك الفشل والموت المبكّر والذي عبّر عنه وصرّح به رئيس لجنة التحديث السياسي دولة سمير الرفاعي الذي نعى المشروع قبل أشهر .
لقد كان مضحكاً جداً حين كان يُسأل البعض فيما إذا كان ينتمي إلى حزبٍ فيجيب بعدم المعرفة واليقين بسبب أن هناك من أخذ بطاقته الشخصية ولا يدري إن كانوا سجّلوه أم لا ، ولا يدري أين تم تسجيله ، خاصةً أنه سلّم بطاقته لأكثر من شخص !.
ولم تكن الأحزاب لتتشكّل لولا وجود المموّل الذي يتمّ جلبه رغباً أو رهباً بوعود تلامس احتياجاته ومطامحه ومطامعه ويتم معرفته مباشرةً منذ أن يُعلن عن إسمه في صفوف أي حزب ويصبح حزبيّاً عتيداً يحتل موقعاً متقدّماً في المكتب السياسي أو المجلس المركزي ينتظر الثمن كونه ذو مرجعية تجاريّة على الأغلب له حساباته في الجدوى الإقتصادية والربح والخسارة فقط .
ولعلّ أهم مخرجات تجربتنا الحزبية هي بورصة المواقع والمراكز التي تم بيعها كما يتمّ بيع الأرقام المميزة التي يتمّ بيعها الآن من قبل دائرة السير بمزادات أو بالبيع المباشر ، ولكنّ الفرق في أنّ عائد البيع للمراكز والمواقع لا يذهب لصندوق الطالب الفقير كما في حالة بيع الأرقام المميزة على حدّ زعم الحكومة _ونحن نصدّق الحكومة _ وإنما يذهب العائد في تجارة الأحزاب إلى مآلاتٍ غير معلومة المُعلن عنه أنها للحملة الإنتخابية التي حُمّلتْ ما لا تحتمل .
ونحن نتفرّد عن العالم أجمع في التجربة الحزبية إذ أن التمييز بين حزبيٍّ وحزبيّ ممكنٌ سواءً في الآيديولوجيا أو في البرامج ، إلا في تجربة أحزابنا التي نشأت أخيراً فلا فرق بين حزبيٍّ فيها وآخر إلا بالمقرّات والعلاقات الإجتماعية والعشائرية والمناطقية .
وربما يعزو البعض التوجه للإندماج إلى التشابه أو التطابق في الفكر والبرامج ، وهذا غير صحيح لأن هذا الإكتشاف ما كان له أن يتأخر إلى ما بعد معرفة الحجم والوزن الحقيقيين لهذه الأحزاب في الشارع الأردني والتي عكستها الإنتخابات البرلمانية والتأثير المجتمعي لهذه الأحزاب ، فالتشابه في مبرّرات النشوء كانت غير خافية .
وما زال سوء التقدير حاضراً في ذهن البعض ، إذ يظنّون أنّ الإندماج يوفّر دعامات تقاوم الإنهيار ، ولا أعتقد أن ذلك التقدير صائباً كونه يراكم عوامل الفشل والتناقض وتضارب المصالح الشخصية التي هي برنامج هذه الأحزاب . وإن تغيير قانون الإنتخاب الذي تُلحُّ عليه بعض الأحزاب والجهات لن يجدي نفعاً في بقاء هذه الأحزاب واستحواذها على الثقة المفقودة .
وإن الفهم بعد أوانه يكون حماقة غير مُدركة .