القضاء الأردني: صرح العدالة الذي لا تهزّه الشكوك
صالح الشرّاب العبادي
06-10-2025 11:23 AM
في خضمّ الأصوات التي تحاول النيل من المؤسسات الوطنية وزعزعة الثقة العامة، يبقى القضاء الأردني صخرةً راسخة في وجه العواصف، وميزانًا دقيقًا يحمي سيادة القانون وكرامة الإنسان.
القضاء ليس جهازًا إداريًا عابرًا، بل سلطة دستورية مستقلة توازي السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهو الضامن الأعلى لعدالة الدولة واستقرارها الاجتماعي والسياسي.
أساس الاستقلال في الدستور الأردني
أكد الدستور الأردني بوضوح مبدأ استقلال القضاء، حيث نصّت المادة (97) على أن:
“القضاة مستقلون، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون”.
كما جاءت المادة (98) لتُحدّد أن تعيين القضاة وعزلهم يتمّ بإرادة ملكية وفق أحكام القانون، مما يعزز الحماية الدستورية لهذه السلطة ويُبعدها عن أي تأثير سياسي أو إداري.
ويستند النظام القضائي إلى تعددية محاكمه: المحاكم النظامية، الشرعية، الخاصة، والدستورية، في إطار هرمي يضمن التخصص والدقة في الفصل بين القضايا.
إصلاحات تشريعية ومؤسسية تعزّز النزاهة
لم يكن استقلال القضاء شعارًا فقط، بل تُرجم إلى قوانين وإصلاحات عملية، أبرزها:
1. قانون استقلال القضاء رقم (29) لسنة 2014 وتعديلاته، الذي منح المجلس القضائي صلاحيات كاملة في التعيين والترقية والمساءلة، دون تدخل من السلطة التنفيذية.
2. تعديلات عام 2017 التي حدّدت تشكيل مجلس القضاء من كبار القضاة، وجعلت رئاسته من داخل المؤسسة القضائية نفسها، مما عزّز استقلال القرار الإداري والمهني.
3. اعتماد ميثاق السلوك القضائي لعام 2021، الذي أقرّه المجلس القضائي لتحديد معايير النزاهة والحياد ومنع تضارب المصالح، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).
سمعة إقليمية ودولية راسخة
تحتلّ المملكة الأردنية الهاشمية مراكز متقدمة على مؤشر حكم القانون العالمي (Rule of Law Index) الصادر عن مؤسسة World Justice Project.
ففي تقرير عام 2023، جاء الأردن في المرتبة الأولى عربيًا في مجال “ضبط السلطة التنفيذية”، وضمن أفضل الدول الإقليمية في نزاهة القضاء وشفافية الإجراءات.
كما أشاد تقرير الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان لعام 2022 بتقدّم الأردن في تطوير بيئة قضائية شفافة، مشيرًا إلى “تحسين ملحوظ في استقلالية المحاكم وجودة قراراتها القضائية مقارنة بالسنوات السابقة”.
القضاء الأردني في الوعي الوطني
لم يكن القضاء الأردني يومًا أداة بيد أحد، بل بقي ضمير الوطن وسيف القانون.
أحكامه تُصدر باسم جلالة الملك ونيابةً عن الشعب، وتُنفّذ بروح العدالة لا بروح الانتقام.
وفي مراحل مفصلية من تاريخ الدولة، وقف القضاة في وجه الضغوط، وصانوا مبدأ المساواة أمام القانون دون تفرقة بين مواطن ومسؤول أو بين صاحب جاه وبسيط الحال.
ولذلك، فإنّ الثقة الشعبية بالقضاء الأردني لم تأتِ صدفة، بل نتيجة تاريخ طويل من النزاهة والاعتدال والالتزام المهني.
ومن يطّلع على سجلات المحاكم أو قرارات المحكمة الدستورية سيجد أن هذه المؤسسة لم تَحِد عن الدستور ولا عن قيم العدالة، مهما تغيّرت الظروف.
الردّ على التشكيك المغرض
إنّ محاولات التشكيك بالقضاء الأردني – سواء عبر وسائل التواصل أو التصريحات غير المسؤولة – ليست نقدًا إصلاحيًا، بل استهداف ممنهج لثقة الناس بمؤسساتهم.
النقد البنّاء مرحّب به، أما الطعن في نزاهة القضاء دون دليل فهو اعتداء على هيبة الدولة وعدالتها.
فالقضاء الأردني، بموجب نصوص الدستور وتقارير المؤسسات الدولية، هو من أكثر الأجهزة نزاهة ومهنية في الإقليم، ويحظى باحترام الهيئات القضائية العربية والدولية على السواء.
سيبقى القضاء الأردني السند الحقيقي للعدالة والدرع الأمين للدولة.
هو سلطة تحكم باسم القانون، وتحفظ الكرامة، وتُعيد الحقوق إلى أصحابها، دون محاباة ولا رهبة.
ومن واجبنا جميعًا أن ننتصر لهذه المؤسسة وأن نصون ثقة الشعب بها، لأن القضاء هو آخر حصون العدالة، وإن سقطت الثقة به، سقط معها كل معنى للحق والدولة.