facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




وثيقة الفراية: إصلاح اجتماعي لا يكتمل إلا من القمة


صالح الشرّاب العبادي
08-10-2025 10:36 AM

في خطوة جريئة تعكس وعيًا متقدمًا بعمق التحولات الاجتماعية والاقتصادية، أطلق وزير الداخلية الأردني مازن الفراية مبادرة وطنية جديدة تحت عنوان “تنظيم الظواهر الاجتماعية”، تهدف إلى الحد من المظاهر المبالغ فيها في الأفراح والأتراح وتخفيف الأعباء عن المواطنين.

المبادرة تدعو إلى تقليص المهور وعدد الجاهات والمدعوين، وتنظيم بيوت العزاء ليوم واحد فقط، وهي محاولة جادة لإعادة التوازن بين القيم الأردنية الأصيلة والظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها المجتمع.

ولأنها وثيقة مستمدة من الواقع، لا من الخطاب، فقد طلبت وزارة الداخلية من الحكام الإداريين عرضها على الوجهاء والمجالس المحلية ومؤسسات المجتمع المدني لتوقيع وثيقة التزام تُعيد بناء الوعي الاجتماعي من الداخل، وتحوّل هذه المبادئ إلى عرف وطني متّفق عليه.

إلا أن نجاح هذه المبادرة لا يُقاس بالنوايا وحدها، بل بمدى التزام القيادات العليا بها.

فليس من المنطق أن تُختصر بيوت العزاء ليوم واحد في قرية صغيرة، بينما تُفتح لثلاثة أيام أو أكثر عند وفاة مسؤول كبير أو صاحب نفوذ.
وليس من المعقول أيضًا أن تهرع مؤسسات الدولة ومسؤولوها في جاهة ابن أو ابنة صاحب منصب، بينما يُطلب من عامة الناس اختصار الجاهة على العائلة فقط — في الوقت الذي أصبحت فيه هذه الثقافة متجذّرة فعلاً بين الناس البسطاء.

ولا يُعقل أن نطالب الشباب بعدم المبالغة في الأعراس، بينما تتحرك أساطيل سيارات الدولة الرسمية للمشاركة في أفراح وأتراح تمتد لساعات طويلة، في وقتٍ يحتاج فيه المال العام إلى كل لتر وقود وكل دقيقة عمل.

القيم لا تُفرض بالقانون، بل تُترسخ بالقدوة.

ولذلك، فإن التطبيق الحقيقي لوثيقة الفراية يجب أن يبدأ من القمة السياسية والإدارية؛ من الوزراء والنواب وكبار المسؤولين قبل عامة الناس، حتى يشعر المواطن أن الدولة لا تنصح فقط، بل تلتزم أولاً.

حين يرى الأردني أن صاحب المنصب يعزّي ليوم واحد فقط، ويُقيم أفراحه في نطاق متواضع، عندها ستصبح المبادرة ثقافة وطنية لا مجرد تعليمات.

ومن الجدير بالذكر أن عدداً من الوثائق الاجتماعية العشائرية قد سبقت هذه المبادرة وعبّرت عن ذات الوعي الجمعي.

فقد أصدرت عشائر الزيود / عباد وثيقة خاصة تقضي بأن يقتصر العزاء على يومين فقط، ويقتصر فيه على تقديم القهوة العربية والمياه دون ولائم أو مظاهر إسراف، وهو ما أصبح عرفاً متفقاً عليه ومعهوداً لديهم.

كما شددت الوثيقة على أن الواجب يظل محصورًا في المجبرين ضمن الدائرة الضيقة، في سلوك راقٍ يعكس إدراكًا مبكرًا بضرورة ضبط المظاهر الاجتماعية وإعلاء قيم التراحم والبساطة.

إن ما فعله وزير الداخلية ليس مجرد تنظيم اجتماعي، بل هو إصلاح وطني بلغة القيم.

وإذا نجحت المبادرة في خلق توازن جديد بين البساطة والكرامة، وبين المظهر والمسؤولية، فسيكون الأردن أمام نموذج اجتماعي يحتذى في المنطقة:

نظام اجتماعي متماسك، يقوده وعي رسمي متواضع، ومجتمع يعي أن العزة ليست في التكاليف والتفاخر والتباهي، بل في البساطة الخلاقة والوعي الإيجابي والتراحم الاجتماعي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :