الجيش العربي الأردني: درع الوطن، وفخر الشعب
عقيد متقاعد محمد الخطيب
09-10-2025 10:44 AM
في قلب كل بيتٍ أردني، قصة انتماء لا تموت… قصة تبدأ ببزةٍ عسكرية معلقة على الجدار، أو صورة جندي يبتسم في ميدان الشرف، أو دعاء أمٍّ ترفع يديها فجراً من أجل ابنها المرابط على حدود الوطن. في الأردن، الجيش العربي ليس مجرد مؤسسة عسكرية، بل هو روح وطنية تسكن القلوب، وعمود فقري للدولة، ودرعٌ متين يحمي الحاضر ويؤمّن المستقبل.
نشأ الجيش العربي من رحم الثورة العربية الكبرى، حاملاً رسالة النهضة، وأمانة الكرامة، ومبادئ العروبة. ومنذ التأسيس، لم يكن الجيش أداة قتال فقط، بل كان ولا يزال رسالة بناء، وحارساً لقيم الدولة الأردنية، في السلام كما في الحرب.
سطر الجيش العربي على مدار العقود مواقف خالدة في فلسطين، والجولان، ومعارك الكرامة، ومهامه الدولية ضمن قوات حفظ السلام، ليثبت للعالم أن الجندية الأردنية تجمع بين الانضباط العسكري، والبعد الإنساني، والوفاء للرسالة القومية.
قائدٌ جندي... وجنديٌ قائد، فجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، القائد الأعلى للقوات المسلحة، لم يأتِ من قاعات السياسة فقط، بل من ميادين التدريب وساحات القتال. نشأ في صفوف الجيش، وتدرج فيه، وتشرّب أخلاقيات الجندية من جذورها. واليوم، يتابع جلالته عن كثب خطط التطوير والتسليح والتحديث، مؤمنًا بأن قوة الجيش هي قوة للوطن بأكمله.
وتحت ظل الراية الهاشمية، يسير سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني على ذات النهج. فقد تخرج من الأكاديميات العسكرية العريقة، وشارك ميدانيا، وتفاعل إنسانيا مع أبناء القوات المسلحة. وتجلّى هذا الاهتمام في دعمه للمبادرات التقنية، ولريادة الشباب في القطاع الدفاعي، إيمانا بأن الجيوش الحديثة لا تُبنى فقط بالعتاد، بل بالعقل الأردني المبدع.
ولا يقتصر دور الجيش الأردني على السلاح وحماية الحدود. ففي كل أزمة طبيعية أو كارثة إنسانية، تجد جنودنا في الصفوف الأولى؛ من الخيم التي نُصبت في الزلازل، إلى الجسور الجوية التي حملت المعونات للأشقاء، إلى المستشفيات الميدانية في فلسطين، غزة، لبنان، وسوريا، امتدت يد الجيش بالرحمة كما بالقوة.
وعلى الصعيد الدولي، كان للجيش العربي الأردني حضور مشرّف في قوات حفظ السلام الأممية، حيث شارك بفاعلية في العديد من المناطق التي شهدت نزاعات وصراعات، مثل هايتي، ليبيريا، كوسوفو، تيمور الشرقية، دارفور، الكونغو، ساحل العاج، وأفغانستان، مؤكدا أن الجندية الأردنية لا تحمل السلاح فقط، بل تحمل رسالة إنسانية سامية، تنبع من قيم الدولة الأردنية القائمة على السلام، والاحترام، والتضامن العالمي
وفي الداخل، يضطلع الجيش العربي الأردني بدور وطني شامل، يتجاوز المفهوم التقليدي للجيوش بوصفها قوة قتالية، ليكون شريكا أساسيا في بناء الدولة وخدمة المواطن. فقد شكّلت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، على الدوام، صمّام أمان وسندا حقيقيا للدولة والمجتمع، خاصة في الظروف الاستثنائية، ومصدر فخر لكل بيت أردني.
يسهم الجيش في دفع عجلة التنمية من خلال مشاركته في العديد من القطاعات الحيوية، كالتعليم، والصحة، والزراعة، وتطوير البنية التحتية في المدن والقرى. كما يضطلع بدور محوري في تحقيق الأمن الغذائي والمائي، عبر مشاريع نوعية تعزز الاكتفاء الذاتي واستدامة الموارد. ومن خلال المؤسسة الاستهلاكية العسكرية، يعمل الجيش على توفير السلع الأساسية بأسعار عادلة في مختلف محافظات المملكة، ما يسهم في استقرار السوق المحلي ويخفف من الأعباء الاقتصادية عن كاهل المواطنين، خصوصًا في فترات الأزمات والتقلبات.
وعلى صعيد الرعاية الصحية، تشكل الخدمات الطبية الملكية إحدى أهم دعائم النظام الصحي الوطني، إذ تقدّم الرعاية والعلاج لنحو ثلث سكان المملكة، من خلال شبكة مستشفياتها وكوادرها المؤهلة، مما يخفف العبء عن القطاع الصحي المدني ويضمن وصول الخدمة إلى أكبر شريحة من الأردنيين بجودة عالية.
ولا يغفل الجيش عن مسؤوليته تجاه الشباب، حيث يسهم في تأهيلهم وتدريبهم من خلال برامج احترافية تمكّنهم من دخول سوق العمل بمهارات فنية وتقنية حقيقية، كما يوفر فرص عمل مباشرة داخل صفوفه ومؤسساته، فيسهم بذلك في مواجهة البطالة وتعزيز الإنتاج الوطني.
كما يُعزز الجيش السلم المجتمعي من خلال دعم المجتمعات المحلية والفئات الأقل حظًا، عبر شراكات مع الجمعيات الخيرية والأسواق العسكرية، ما يساهم في ترسيخ التماسك الاجتماعي. لقد كان ولا يزال الجيش العربي الأردني حاضنًا لآمال الأردنيين، وشريكا في التنمية، وسندا في الأزمات، وسفيرًا للقيم الوطنية في كل ميدان يخدم فيه هذا الوطن العظيم.
يختلف الأردنيون في كثير، لكنهم يجتمعون على حب جيشهم. فكل عائلة أردنية قدّمت جندياً أو أكثر، وكل بيت يحتفظ بوسام أو شهادة أو ذكرى لجندي خدم الوطن. ولعل هذا الرابط هو ما يجعل من "الجيش العربي" جزءا من الهوية الأردنية، لا شعاراً فقط.
شعار الجيش العربي الأردني ليس مجرد رسم يُطرَز على الأكتاف أو يُعلَّق على الجدران، بل هو حكاية وطن محفورة في وجدان الأردنيين، تسبق في حضورها كل الشعارات الرسمية. فهو يظهر في المدارس، وفي البيوت، وفي الأسواق، وفي كل مكان ينبض بالانتماء، لأنه لم يكن يوما رمزا للسلطة، بل كان دوما مرآةً للكرامة، ودليلًا على الأمان.
يحمل هذا الشعار رموزا ذات دلالات عميقة في معناها الوطني والإنساني. فالسنبلتان تمثلان الخير والعطاء، وتُجسدان بركة الأرض الأردنية التي أنعم الله عليها بالمطر والمناخ المعتدل، فأنبتت قمحا وزرعا، ليكون الوطن دائما مائدةً عامرة لأهله. أما السيفان المتقاطعان، فهما تجسيد للقوة والعزيمة والمنعة، وهي الرسالة التي لطالما حملها الجندي الأردني في ميدان الواجب، دفاعا عن حدود الوطن، وعن كرامة شعبه.
وفي أعلاه، يعلو التاج الملكي الهاشمي، رمز النظام الملكي الدستوري، وبيان واضح للبيعة والولاء لآل هاشم، سلالة النسب الشريف، وفي مقدمتهم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، حامي الدستور والقائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية.
أما العبارة الخالدة "الجيش العربي"، فهي أكثر من اسم… إنها هوية، وتاريخ، وامتداد لجذور الأمة ومشروعها النهضوي، وهي التوصيف الأدق لجيش ظل وفًا لرسالته القومية والعربية، حاميا للتاج، وسندا للدولة، وسيفا للوطن، وخيراته، واستقلاله.
هذا الشعار، بما يحمله من رموز، لا ينتمي فقط إلى العسكرية، بل يتغلغل في وجدان الأردني، كلما رأى جنديا يسير بثبات، أو راية تخفق على ثكنة، أو تذكارا على جدار. هو تعبير عن عهد لم يُخن، وعن راية لم تُنكس، وعن جيش لا يزال، كما كان، سياج الوطن وسند أهله.
القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، ليست قوة نظامية فقط، بل هي إرث، ومؤسسة، وعقيدة، وتاريخ، ومستقبل. وبين قيادة ملكية حكيمة، ورؤية استراتيجية، وجندي مؤمن بوطنه، سيبقى الجيش العربي صمام أمان الأردن، وعنوان فخره، وشاهدا على أن الأمم لا تُقاس بحجمها الجغرافي، بل بعظمة من يذود عنها.
"الجيش العربي... من الشعب ولأجل الشعب."