رويدا المعايطة .. درس في القيادة والنزاهة وذاكرة نهضة الجامعة الهاشمية
أ.د احمد منصور الخصاونة
10-10-2025 01:50 PM
في زمنٍ تزدحم فيه المناصب وتندر فيه المواقف، تطلّ الدكتورة رويدا المعايطة من جديد، لا بقرار إداري ولا بتصريحٍ إعلامي، بل بفعلٍ أخلاقي نبيل سيبقى محفوراً في الذاكرة المؤسسية الأردنية. فقد أعلنت استقالتها من رئاسة مجلس أمناء جامعة اليرموك بعد تعيين زوج ابنة أختها رئيساً للجامعة، في خطوةٍ طوعية نادرة تعكس عمق الإحساس بالمسؤولية العامة ونقاء الضمير المهني.
ورغم أن العلاقة المذكورة لا تُعد من صلة القرابة المباشرة في القانون أو العرف، إلا أن الدكتورة رويدا اختارت الانسحاب من موقعٍ رفيعٍ حتى لا تُفسَّر الأمور على نحوٍ يطعن بنزاهة القرار أو يُلقي بظلالٍ على الجامعة. بهذا الموقف الرفيع، جسّدت واحدة من أبهى صور القيادة الأخلاقية في الأردن، وأرسلت رسالة واضحة إلى النخبة والمسؤولين: أن المنصب ليس امتيازًا يُحتفى به، بل أمانة تستوجب الارتفاع فوق الذات حين يلوح أدنى تضاربٍ في المصالح.
وليس غريباً على الدكتورة رويدا هذا السلوك الرفيع، فهي سيدة أردنية صنعت مجدها بالعمل والكفاءة، وتبوأت مواقع قيادية رفيعة أبرزها رئاسة الجامعة الهاشمية، وإدارة مستشفى الملك المؤسس عبد الله الجامعي، ووزارة التعليم العالي، وعضوية مجلس الأعيان. وفي كل محطةٍ من هذه المحطات، تركت بصمة مهنية مميزة، جمعت فيها بين الانضباط والحزم، والرؤية والتجديد.
وأقولها من واقع تجربة شخصية، إذ تشرفتُ بأن اختارتني الدكتورة رويدا المعايطة عميداً لكلية الأمير الحسين بن عبدالله الثاني لتكنولوجيا المعلومات خلال فترة رئاستها للجامعة الهاشمية. كان ذلك القرار بالنسبة لي بداية مرحلةٍ مفعمةٍ بالعمل والإلهام، إذ منحتني الثقة والمسؤولية في بيئةٍ تقودها رؤية إصلاحية طموحة.
في عهدها، شهدت الجامعة الهاشمية نهضة غير مسبوقة، سواء في مجالات التحول الرقمي، أو تطوير البنية الأكاديمية، أو تعزيز البحث العلمي والابتكار. كانت ترى أن الجامعة ليست مؤسّسةً للتدريس فقط، بل فضاءٌ لبناء الإنسان والعقل معاً. كانت قريبةً من الجميع، تتابع التفاصيل، وتحتفي بالإنجاز، وتؤمن أن القيادة ليست سلطة، بل خدمةٌ ورسالة.
واليوم، باستقالتها من رئاسة مجلس الأمناء في موقفٍ نادرٍ من نوعه، تؤكد الدكتورة رويدا أن الضمير المهني لا يشيخ، وأن القيم أقوى من الكراسي. إنها لا تغادر موقعها ضعفاً، بل ترتقي فوقه نزاهةً. فقد علّمتنا أن الاعتذار عن المنصب في لحظة اللبس، أشرف من التمسك به في لحظة المجد.
ستبقى الدكتورة رويدا المعايطة نموذجاً ملهماً للقيادة النسائية الرشيدة في الأردن، ورمزاً للأخلاق المؤسسية والحوكمة الحقيقية. وستخبر الأجيال القادمة أن هذه السيدة وضعت بصمة نهضةٍ في الجامعة الهاشمية، ووقّعت درساً في النزاهة في جامعة اليرموك.
في سجلّ التعليم العالي الأردني، ستظل سيرتها شاهداً على أن القيادة لا تُقاس بما نأخذه من المناصب، بل بما نتركه من قيم.