شارع البترول .. بين الإهمال الحكومي وغياب التنسيق
د. هاشم احمد بلص
16-10-2025 11:28 PM
تشكل البنية التحتية في أي دولة مرآة حقيقية لمدى اهتمام الحكومة بسلامة مواطنيها وكرامتهم، فهي ليست مجرد طرقٍ وجسورٍ وإشاراتٍ مرورية، بل هي شرايين حياة تحفظ الإنسان وتحميه، إلا أن الواقع المؤلم في شارع البترول الممتد عبر عدد من الألوية مثل بني عبيد، الكورة، والمزار الشمالي يكشف عن خللٍ خطير في الأداء الحكومي وغيابٍ واضح للتنسيق بين الوزارات المعنية، مما جعله أشبه بـ"طريق الموت" الذي يحصد أرواح المواطنين دون تحرك فعّال يرقى إلى مستوى المسؤولية الوطنية والإنسانية.
يُعد شارع البترول نموذجاً صارخاً لانعدام الحد الأدنى من معايير السلامة العامة؛ فغياب الإنارة، وضيق المسارب، وتدهور طبقة الأسفلت، وانعدام الإشارات التحذيرية، جعلت من هذا الطريق فخاً للموت، لا سيما في ساعات الليل أو أثناء الظروف الجوية الصعبة.
إن ما يزيد من مأساوية المشهد أن هذا الطريق ما يزال مفتوحاً للاستخدام العام، رغم علم الجهات الحكومية بخطورته ووقوع حوادث متكررة أودت بحياة عدد من الأبرياء، ومع ذلك، لا نرى سوى بيانات تبريرية وتصريحات متناقضة تتبادل فيها الوزارات المسؤولية، في مشهدٍ يجسد الإهمال المؤسسي والتنصل من الواجب الوطني.
تتحمل الحكومة بمختلف مؤسساتها، وخاصة وزارة الطاقة والثروة المعدنية ووزارة الأشغال العامة والإسكان، ووزارة الادارة المحلية والبلديات مسؤولية مباشرة عن تردي أوضاع هذا الشارع، فبينما تعتبره وزارة الطاقة "طريقاً مخصصاً لغايات نقل البترول"، تؤكد وزارة الأشغال أنه "خارج نطاق مسؤوليتها"، في حين تبقى البلديات والجهات المحلية عاجزة عن التدخل.
هذا التضارب في الصلاحيات هو جوهر المشكلة الإدارية التي تعاني منها مؤسسات الدولة، إذ يتم التعامل مع أرواح المواطنين وكأنها أرقام في التقارير، لا مسؤولية تستدعي تحركاً عاجلاً وإنقاذاً حقيقياً.
ايتها الحكومة لطالما تحدث جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، في خطبه ورسائله، على أن الإنسان الأردني هو أغلى ما نملك، وأن كرامة المواطن وسلامته يجب أن تكون في صلب أولويات الحكومة، ففي إحدى توجيهاته الملكية قال جلالته:"كرامة الأردني فوق كل اعتبار، والاهتمام بالمواطن وخدمته بأفضل صورة هو مقياس أداء أي مسؤول."
فكيف يمكن أن تتحدث الحكومة عن تطوير أو إصلاح أو خطط استراتيجية، بينما يُترك المواطن يواجه الموت على طريق مهمل لا يرقى لأبسط المعايير الدولية للسلامة؟.
إن هذا التناقض بين الرؤية الملكية الإنسانية السامية وبين الأداء التنفيذي الباهت يعكس فجوة خطيرة بين القيادة التي تؤمن بكرامة الإنسان، والحكومات التي ما زالت تتعامل مع الأزمات بعقلية التبرير لا المبادرة.
إن مأساة شارع البترول ليست مجرد خلل هندسي أو قضية محلية، بل هي قضية أخلاقية وإدارية تمس جوهر العلاقة بين الدولة والمواطن، فالإهمال في صيانة هذا الطريق، وغياب التنسيق بين الوزارات، يمثلان انتهاكاً لحق المواطن في الأمان والحياة الكريمة، لقد آن الأوان لأن تتعامل الحكومة مع هذه الكارثة بجدية ومسؤولية، وأن تضع سلامة المواطن فوق أي تبرير أو خلاف بيروقراطي، وفاءً لتوجيهات جلالة الملك وتأكيداً أن الأردن سيبقى وطناً يصون أبناءه ويحمي حياتهم قبل أي شيء آخر.