facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




غزة تُعيد رسم المعادلة .. حين تنهض المقاومة من تحت الرماد


م. بسام ابو النصر
23-10-2025 02:29 AM

كأن غزة كُتب لها أن تولد من تحت الرماد، تمامًا كما يولد طائر الفينيق في الأساطير، فتنهض من جديد بعدما ظنّ أعداؤها أن الضربة كانت القاضية. مرّة أخرى، تتجاوز المقاومة الفلسطينية حدود التوقع، وتقلب الطاولة على كل من ظن أن نهايتها باتت قريبة. ورغم حرب التدمير الشامل التي قادتها إسرائيل بدعم أميركي غير محدود، ظلت غزة حيّة، تُقاتل، وتُدير، وتُعيد ترميم مؤسساتها، وتفرض واقعًا ميدانيًا يخالف كل سرديات الاحتلال. فبدلاً من الحديث عن مرحلة ما بعد حماس، كما ردد القادة الإسرائيليون في بداية الحرب، بات النقاش يدور الآن – حتى داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية في تل أبيب – حول كيفية التعامل مع بقاء حماس، واعتبارها جزءًا لا يمكن تجاهله من معادلة غزة السياسية والعسكرية في المرحلة المقبلة.

رغم أن الاحتلال لم يوفر وسيلة إلا استخدمها لتفكيك بنية المقاومة، وإبادة جماعية لسكان غزة بكل فئاتهم العمرية، فإن ما ظهر على الأرض أذهل حتى بعض المحللين الإسرائيليين والغربيين، الذين بدأوا يتحدثون عن "قدرة تكيف استثنائية" تمتلكها المقاومة في غزة، مكّنتها من الصمود أولًا، ثم إعادة ترتيب صفوفها ثانيًا، قبل أن تبدأ في ترسيخ إدارتها المدنية والعسكرية مجددًا. ففي الوقت الذي اعتقدت فيه دولة الاحتلال أن ضرب البنى التحتية وتفكيك الشبكات الإدارية سينهي نفوذ حماس، كانت الأجهزة المدنية التي أدارت غزة لسنوات تعيد انتشارها بهدوء في عدد من المناطق، وتستأنف مهامها الأمنية والخدمية، حتى باتت قادرة في بعض الأحياء على ضبط الأمن، وتنظيم عمل المساعدات، وإعادة فتح عدد من المؤسسات، بما فيها مشافٍ ومدارس ومراكز بلدية.

التحول الأكثر دلالة يتمثل في عودة "الهيبة المؤسسية" لحكومة غزة السابقة، وإن بشكل غير معلن، حيث بدأت ملامح بنية إدارية جديدة بالظهور، وسط تنسيق منظم يشير إلى وجود خطة متكاملة لإعادة الإمساك بالقطاع تدريجيًا. لم تكن هذه العودة وليدة الفوضى، بل جاءت ضمن استراتيجية واضحة، استثمرت فيها الحركة تماسك أذرعها، واستمرار احتضان البيئة الشعبية لها، رغم فظاعة العدوان وتردي الأوضاع. وبينما كانت إسرائيل تراهن على انفجار الشارع في وجه المقاومة، جاء الرد المعاكس تمامًا، التفاف شعبي حولها، وقناعة متزايدة بأن غزة لا يمكن أن تُدار إلا بأيدي أبنائها الذين ضحوا، لا بأطراف خارجية تأتي على ظهر الدبابات أو باسم "الإعمار المشروط" .

على الجانب الآخر، تتردد تسريبات عن تفاهمات غير معلنة، تقودها الولايات المتحدة مع أطراف إقليمية مؤثرة، تقضي بتمكين غير مباشر لحماس في إدارة غزة خلال مرحلة ما بعد الحرب، مقابل تهدئة طويلة الأمد، والتزام سياسي بعدم استئناف الأعمال العسكرية. ورغم إنكار واشنطن الرسمي لذلك، فإن بعض الوقائع تشير إلى ما هو أبعد من الإنكار، فعودة الحياة المؤسسية بشكل جزئي، وتحييد بعض المناطق من التصعيد، كلها مؤشرات على أن أطرافًا دولية باتت تدرك أن إسقاط حماس ليس فقط مستحيلاً، بل قد يقود إلى فوضى كارثية لا تخدم أحدًا. وبالتالي، فإن التعايش مع حماس، أو قبول إدارتها لغزة كأمر واقع، قد يكون الخيار الأقل تكلفة بالنسبة للغرب.

في هذا السياق، جاءت تقارير استخباراتية عدة تتحدث عن دور قطري ومصري وأردني وتركي في إعادة ترميم المؤسسات، وتجهيز المستشفيات الميدانية، وتنظيم دخول المساعدات، بالتنسيق مع إدارات محلية تعمل في الظل لكنها تحت إشراف مباشر من قيادة حماس. لم يعد المشهد كما كان يُراد له، فالحركة التي استُهدفت بكل أدوات الحرب عادت لتتحكم بمفاتيح إعادة الإعمار، وتستعيد جزءًا من قدرتها على ضبط الإيقاع الميداني، مدعومة بتماسك داخلي، ومناخ سياسي إقليمي يميل إلى الواقعية، بعد أن ثبت أن غزة لا تُدار بالإملاءات ولا تُخضعها القوة مهما بلغت.

في خضم كل ذلك، لا يمكن إغفال حقيقة أن إسرائيل، التي فشلت في تنفيذ مشروع التطهير العرقي خلال الحرب، رغم الدعم العسكري والسياسي الأميركي اللامحدود، لن تكون قادرة على فرض هذا الخيار بأي شكل، ولا تحت أي ضغط، ولا بدعم أي قوة في العالم. لقد تراجع دونالد ترامب نفسه، الذي كان من أكبر الداعمين للرؤية الإسرائيلية، عن فكرة التهجير الجماعي للفلسطينيين من غزة، ليس لاقتناع أو تغير في المبادئ، بل لأن الواقع فرض عليه التراجع، وأجبره على كبح اندفاعه في دعم مشروع "الإخلاء الكامل" الذي سعت له بعض الدوائر الإسرائيلية. هذا التراجع لم يكن خيارًا سياسيًا، بل نتيجة لعجز بنيوي في تنفيذ مخطط يتعارض مع القانون الدولي ومع معطيات الجغرافيا والسكان والمقاومة.

ما بعد هذه الحرب، لم يعد كما قبلها، وغزة التي خاضت المعركة الأكثر كلفة، خرجت منها أكثر رسوخًا، حتى وإن كانت الجراح ما زالت مفتوحة. لم تكن الحرب فقط معركة سلاح، بل معركة وجود، ومعركة على من يحكم، ومن يُرسم له الدور، ومن يُسقط عنه. والنتيجة أن المقاومة الفلسطينية لم تُهزم، بل عادت لتُثبت أنها الرقم الصعب، والفاعل الأول، واليد التي ستعيد إعمار غزة، وتدير مؤسساتها، وتكتب مستقبلها... لا من ينتظر على بوابات المعابر، ولا من يُمنّى بانهيار قريب لا يأتي.

إن غزة لا تُمحى، والمقاومة لا تُهزم، وما يُبنى على الدم لا يُسقطه صمت العالم، ولا وهم التفوق. فكما وُلد الفينيق من الرماد، واصلت غزة نهوضها، لتقول مجددًا، نحن هنا... ولن نغيب.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :