خطاب العرش السامي .. وثيقة العز والهوية والنهضة الأردنية
بهاء الشنتير
26-10-2025 03:53 PM
في لحظة وطنية مهيبة وفي مشهد يفيض بالعزة والكرامة أطلّ جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم من على منبر العرش السامي ليفتتح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين مجددًا العهد مع شعبه الوفي ومعلنًا أن الأردن ماضٍ في مسيرة البناء بثبات لا تحيده التحديات ولا تُضعفه الأزمات.
جاء خطاب العرش هذا العام وثيقةً وطنية شاملة حملت في طياتها معاني الثقة والصلابة واستعرضت إنجازاتٍ ملموسة وحددت ملامح المرحلة القادمة بوضوح وعمق.
تحدث جلالته من القلب إلى القلب بلغة القائد القريب من شعبه المؤمن بقدرتهم على تحويل الصعاب إلى إنجازات والمتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقًا للوطن.
استهل جلالته خطابه بالتذكير ببدايات الدولة الأردنية التي وُلدت في قلب الأزمات لكنها لم تنكسر أمامها بل حولت المحن إلى فرص، فقد قال جلالته إن الأردن نما رغم كل التحديات واشتد عوده وتجاوزها واحدة تلو الأخرى مؤكداً أن سر هذا الصمود يكمن في إيمان الأردنيين والأردنيات بوطنهم ووحدتهم وفي إرثٍ من العزيمة لا ينضب.
كانت كلمات الملك امتدادًا لتاريخ طويل من الثقة المتبادلة بين القيادة والشعب عندما قال: "نعم، يقلق الملك، لكنه لا يخاف إلا الله، ولا يهاب شيئاً وفي ظهره أردني"، وهي عبارة تختزل روح الأردن وتؤكد أن القائد يستمد قوته من التفاف أبناء وطنه حوله فهم السند والدرع والذخر.
كما تطرق جلالته إلى مسارات الإصلاح الثلاثة السياسي والاقتصادي والإداري، مؤكداً أن الطريق ما زال طويلاً لكنه طريق العزيمة والعمل، فدعا إلى استمرار تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي وتحقيق النمو وجذب الاستثمارات وتوفير فرص العمل ورفع مستوى المعيشة، وأكد أن المرحلة القادمة تتطلب عملاً جاداً لا يعرف التراخي لأن المواطن يستحق أن يرى أثر هذه الرؤية في حياته اليومية، كما شدد على ضرورة تطوير القطاع العام ليكون أكثر كفاءة وعدالة واستجابة لاحتياجات المواطنين.
وأكد جلالته أهمية التعليم الحديث والصحة الجيدة والنقل الفاعل باعتبارها ركائز المستقبل، مشيراً إلى أن التعليم هو أساس نهضة الأمم وأن الأردن يملك طاقات بشرية قادرة على الإبداع متى ما أُتيح لها المجال، كما أكد تطوير النظام الصحي لضمان جودة الخدمات وتيسيرها، ودعا إلى تحديث منظومة النقل بما يتناسب مع طموحات التنمية الوطنية.
ولم يغب الجانب العسكري والأمني عن الخطاب، فقد عبّر جلالته بفخر عن اعتزازه بالقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، قائلاً إن الأردن ظل قويًا مستندًا إلى إرثٍ من العزة والكرامة يحميه جيش عربي مصطفوي سليل الأبطال الذين بذلوا أرواحهم في سبيل الوطن، وأضاف جلالته قوله الخالد: "مهما تعاظمت الأحداث واشتدت، أقولها قولًا واحدًا: هنا، رجال مصنع الحسين، درعًا مهيبًا"، وهي عبارة تؤكد عمق الانتماء وصدق الولاء لجيلٍ يواصل الرسالة الهاشمية جيلاً بعد جيل. كما تناول جلالته الموقف الأردني الثابت تجاه القضية الفلسطينية مؤكدًا وقوف الأردن الدائم إلى جانب الأشقاء في غزة الصامدة، واستمرار تقديم المساعدات الإغاثية والطبية، ومشدداً على رفض الانتهاكات في الضفة الغربية ومواصلة الدفاع عن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية في إطار الوصاية الهاشمية التاريخية التي يتولاها الأردن بعزيمةٍ وشرفٍ ومسؤوليةٍ دينية وإنسانية.
وفي ختام خطابه أكد جلالته أن الأردن سيبقى وطن الأمن والاستقرار، وأن التحديث والإصلاح هما طريق المجد، داعيًا الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية بإخلاصٍ وإيمانٍ بأن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
لقد كان خطاب العرش السامي هذا العام وثيقة وعي وقيادة تجسد الرؤية الهاشمية في بناء الدولة الحديثة وتؤكد أن الشعب الأردني سيبقى كما وصفه قائده حامي الحمى وزارع الأمل وصانع الإنجاز.
خاطب الملك أبناء وطنه بلغة المحبة واليقين مؤمنًا بأن الأردن سيبقى بإذن الله واحة أمن واستقرار وقلعة عزّ ومنارة عدلٍ وإنسانية، فهو وطن لا يعرف المستحيل وقيادة لا تعرف إلا العمل وشعب لا يعرف إلا الولاء والانتماء، وهكذا يظل خطاب العرش السامي شاهدًا على تلاحم العرش والشعب ومصدر إلهامٍ لكل أردنيٍ مؤمنٍ برسالة الهاشميين ماضٍ خلف راية العزّ والكرامة من أجل أردنٍ أقوى ومستقبلٍ أبهى تحت ظل القيادة الهاشمية الحكيمة.