يا لبئس النفاق بين زملاء العمل * سليمان الطعاني
25-08-2011 02:45 AM
انتشر النفاق وفاحت رائحته الكريهه واستشرى في مؤسساتنا الادارية ، وأصبح يحمل معاني تجمّله وتزينه، وتظهره على غير حقيقته.. وتطلق عليه مسميات أخرى، فالبعض يعتبره نوعا من “الفهلوة” والإمكانات الخاصة بل والقدرات الخارقة.. والمنافق يعتبر نفسه متميزا وتحولت هذه الصفة المذمومة إلى مرض خطير استفحل داؤه وعرقل مسيرة الادارات بعد أن أصبح وسيلة رخيصة لكسب المال والترقي والحصول على المكاسب وظلم الاخرين من دون وجه حق ، وتحول إلى معول هدم للمبادئ والأخلاقيات ومنظومة القيم، وطغت ثقافته على ثقافة الإنتاج والجودة وإتقان العمل.. فتراجع العمل والإنتاج .
وصف العلماء المنافق بأنه شخص مريض، ومتآمر، ووصولي، ومتسلق، يهدم التماسك الاجتماعي وأن النفاق صفة شيطانية يرفضها الدين ويحرمها، وداء يصيب القلب فيتمكن في الجسم، وقالوا إن الدواء يكمن في الالتزام بالمنهج القرآني الرباني والسنة النبوية المطهرة، والتربية السليمة في النشء والشباب.
النفاق بين زملاء العمل ،. سلوك مشين ، تأثيره كبيرعلى الحياة العمليــة للموظف داخل مكان عمله ، خاصة أنه و للأسف أصبــح ظاهــرة متفشية يسلكها ضعيف الارادة والعزيمة ، الذي لا ينظر الا بين رجليه, هل أن البيروقراطية هي سبب ظهورها و انتشاره داخل أوساط الموظفين؟ أم أن التمييز بين الموظفين داخل المؤسسة هو من خلق الغيرة و الحسد اللذان يدفعان بالعامل لامتطاء هذا الأسلوب غير الأخلاقي لكسب ولاء المسؤول؟ أم أنه سلوك غير طبيعي يأتي نتيجة الثقة الزائدة التي يمنحها الرئيس لمرؤوسيه؟ اسئلة مطروحة لايجاد الحلول للتقليل من هذه الظاهرة أو الحد منها ،حيث تعمل على انتشار الفتن و البلبلة بين الموظفين و الإدارة و بين الموظفين أنفسهم ،فتحدث بذلك عدم الاستقرار و التوتر في مكان العمل الذي قد يؤدي في النهاية إلى ما لا تحمد عقباه.
إن الوشاية بالزملاء هي أخطر أنواع النفاق الإداري بل هي النفاق بعينه، فالذي ينافق أخاه في العمل و يمنحه الثقة في الكلام و يبادله الآراء ثم بعد ذلك ينقل كلامه للمسؤول هذا مع الأسف مشكوك في قيمه ودينه ، لأن المسلم لا يضر أخاه المسلم و الرسول صلى الله عليه و سلم نهانا عن ذلك ، بل وجب علينا الإصغاء إليه ثم نصحه لا أن ننقل ما أسرّ لنا به، أن السبب الذي يدفع الموظف لإستعمال هذا السلاح الدّنيء حسب تجربتي في العمل هو التمييز بين الموظفين ، فالمسؤول أو المدير يمنح ثقة زائدة إلى بعض الموظفين و يميز بينهم و بين زملائهم من حيث التحفيز المعنوي أو المادي ، الشيء الذي يزرع فيهم الثقة الزائدة و الأنانية المفرطة مما يشعرهم بالغرور و التسلط و بالتالي يدفعهم إلى الحفاظ على الثقة الممنوحة لهم من طرف المدير ليس بالمثابرة في العمل بل بالوشاية و النفاق حتى أصبح من الصعب التحدث بصراحة خوفا من أن ينقل كلامك إلى المدير، و الأسوأ من ذلك هو أن بعض المسؤولين لنسميهم الفرعيين يستعملون نفس الأسلوب مع الموظفين لكسب ثقة المدير و اثبات الولاء له، وا أسفاه كيف يمكن لأحدنا أن يضر زميله الموظف و هو يعلم بأنه يضره دون أن يخاف عقاب الله و ما تخبؤه له هذه الدنيا من مفاجآت ، فكما تدين تدان و كما إن المدير رغم ولائك له وإهدار كرامتك على عتبة مكتبه فهو لن يسمح لك عندما تخطيء و لو لمرة واحدة ، و سيحاسبك و سيفضح أمرك للإدارة لأنه لا يعرف إلا مصلحته، حينها سيذهب نفاقك أدراج الرياح و تصبح نادما حيث لا ينفع الندم، قد يكون هذا اللون من النفاق مظهرا من مظاهر سوء التنظيم في الإدارة .. ولكنه على أقل تقدير هو مؤشر على كون هذه الإدارة تسير وفق مناهج لا تلبي حاجة الموظف و طموحه إلى الحصول على بعض الإمتيازات ..سواء بسبب غياب هذه الإمتيازات أو عدم وضوح معايير الحصول عليها.. حيث يتحول النفاق و التملق إلى وسيلة غير شريفة للوصول إلى الغايات.
حين نحلل ظاهرة النفاق بين زملاء العمل أعتقد أنه سيكون من الأسلم أن ننظر إلى أصحابها كحالات للدراسة أكثر منها للوم و التأنيب.. رغم أن الظاهرة تبقى غير أخلاقية مهما تكن المبررات.
لكن لنفترض أن لدينا إدارة تحترم نفسها .. تضع الحوافز و الإمتيازات و توضح معايير تطبيقها ، وتعامل الموظفين حسب كفاءتهم وامكاناتهم فتضع الرجل المناسب في المكان المناسب .. أعتقد أن الظاهرة ستنحسر و تخف حدتها تدريجيا إلى أن تصبح حالة مرضية منبوذة.
الأنكى أن بعض المسؤولين يعملون على تكريس هذه السلوكات ظنا منهم بأنها من قنوات الحصول على المعلومات ..عن الموظفين و هذا هو المشكل الحقيقي .. أن يرعى المسؤول ظاهرة كهذه.. و هذا هو مربط الفرس"