مازن القاضي يدعو إلى المواطن الرديف والضمير الحي
أ.د احمد منصور الخصاونة
30-10-2025 12:04 AM
مازن القاضي، أوجّه إليك تحيّةً أردنيّةً خالصة، صادقة النبع والمقصد. فقد حرّف بعضهم كلامك عن مواضعه، وقرأوه بغير إنصاف، وأولوه على غير وجهه، فأساؤوا الفهم والتأويل. ولأنك كبيرٌ بأخلاقك ومقامك، آثرت الصمت، فكان صمتك أبلغ من الردّ، وأصدق من أي تبرير.
ولستُ ممّن اعتاد الدفاع عن المسؤولين، غير أنّ كلمة الحقّ واجبة. لقد كنتَ مصيبًا حين تحدّثتَ عن أنّ المواطن لا ينبغي أن يكون عبئًا على الدولة، بل رديفًا لها. فالدولة لا تُبنى بخزائنها وحدها، بل بسواعد أبنائها الذين يحملونها في قلوبهم قبل أن يعيشوا في ظلّها.
حديثك لم يكن قسوةً على المواطن، بل دعوةً إلى صحوة الضمير. دعوةٌ إلى أن نعيد ترتيب العلاقة بين الفرد والدولة على قاعدة المشاركة لا التواكل، وعلى مبدأ الانتماء لا الاتكال. فأن يكون المواطن رديفًا للدولة، يعني أن يكون شريكًا في بنائها، مخلصًا في عمله، أمينًا على موقعه، يخاف الله فيما أُوكل إليه، ويمنح الوظيفة حقّها باعتبارها خدمةً للوطن لا مغنمًا شخصيًّا.
الرديف الحقيقي هو ذاك الذي يعبّر عن انتمائه بالفعل لا بالقول؛ يحترم القانون، يلتزم بالنظام العام، يحافظ على نظافة مدينته وبيئته، ويتصرّف بوعيٍ مدنيٍّ راقٍ. فالأوطان لا تُبنى بالشعارات، بل بالضمير الحيّ والسلوك المسؤول.
نعم، علينا أن نواجه الحقيقة كما هي: بعض المواطنين أصبحوا عبئًا على الدولة. نعلم أن في مؤسساتنا من لا يُخلصون لعملهم، وأنّ بعضهم جعل من موقعه مصلحةً لا رسالة. ونعلم أن في وطننا من تغلّبت عليهم العصبية والجهوية، فضيّقوا ما وسّعه الأردن من رحابةٍ وانتماء. وندرك أن الواسطة والمحسوبية ما تزال تنخر في عصب العدالة، وتُضعف الثقة بالمؤسسات. كما نعلم أن النظافة غابت عن بعض المدن، وأنّ فوضى السير صارت مشهدًا يوميًّا يعكس خللًا في الثقافة والسلوك قبل أن يكون خللًا في التنظيم.
ومع ذلك، يبقى الأمل في هذا الوطن كبيرًا، ما دام فيه رجالٌ ونساءٌ يعملون بصمتٍ وإخلاص، يحملون الأردن في قلوبهم قبل بطاقاتهم الوظيفية، ويجعلون من الواجب عبادةً، ومن الإتقان شرفًا. هم الجند المجهولون في المكاتب والمدارس والمستشفيات والمصانع، الذين يُبقي إخلاصهم هذا الوطن واقفًا رغم التعب.
ولأجلهم، ولأجل الأردن الذي نحبه جميعًا، نقولها بصدقٍ لا لبس فيه:
لن تُبنى الأوطان بالشعارات، بل بأن يكون المواطن رديفًا للدولة بضميره الحيّ، وبانتمائه الصادق، وإخلاصه في العمل، واحترامه للقانون والنظام. فالدولة القوية تُصنع من الداخل، في ضمائر أبنائها، وفي كل يدٍ تعمل بشرف، وكل قلبٍ يؤمن أن خدمة الوطن ليست فضلًا، بل واجبًا مقدّسًا.