facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ماينكرافت والتعليم التحويلي .. الأردن يعيد صياغة مستقبل جيل زد في مختبرات رقمية مبتكرة


د. أميرة يوسف ظاهر
08-12-2025 09:05 AM

في لحظة يعيد فيها الأردن هندسة منظومته التعليمية والاقتصادية بالتوازي، تبرز مبادرة إدخال ماينكرافت التعليمية إلى المدارس كخطوة تتجاوز حدود التجريب إلى كونها جزءا من رؤية وطنية متكاملة لبناء المهارات المستقبلية، فالأردن الذي يتحرك بثقة ضمن استراتيجيته للذكاء الاصطناعي (2023–2027)، ويعيد تشكيل مناهجه عبر المنهاج الوطني الجديد للمهارات الرقمية من الصف الأول حتى الثاني عشر، يقدم من خلال هذه المبادرة نموذجا لتعليم يتناغم مع ولادة اقتصاد قائم على التكنولوجيا والريادة، لا على الوظائف التقليدية.

هذه المبادرة التي تنفذ ضمن مشروع “الشباب والتكنولوجيا والوظائف” بقيادة وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة ووزارة التربية والتعليم، لا تقوم على إدخال لعبة إلى الصف فقط، بل على خلق نقطة التقاء بين بناء قدرات 30 ألف شاب بالمهارات الرقمية وبين منح جيل زد بيئة تعليمية تعمل بلغته وتستجيب لخياله وتفكيره، فجيل يعيش في الفضاءات التفاعلية لا يحبذ الحفظ التقليدي، بل تستفزه المساحات التي تمنحه حرية البناء والاكتشاف وإعادة تخيل العالم من منظور جديد، ومن هنا تبرز قوة ماينكرافت التعليمية كمنصة بسيطة في شكلها عميقة في أثرها، تصنع مختبرا يتعلم فيه الطلاب عبر التجربة لا عبر الامتثال.

إن المنهاج الوطني للمهارات الرقمية، الذي حل محل مادة الحاسوب التقليدية، يضع إطارا حديثا يغطي محاور مثل الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والبرمجة وإنترنت الأشياء والتفكير الخوارزمي وحل المشكلات. وفي هذا السياق تصبح ماينكرافت البيئة التطبيقية المثلى لهذا التحول؛ فهي ليست أداة لعرض الدروس فحسب، لكنها منطلقا لبناء مشاريع حية يعيد فيها الطلاب تحويل الأفكار النظرية إلى نماذج رقمية قابلة للتطوير، وهنا يتشكل التحول الجوهري فالطالب لم يعد مستهلكا لمحتوى جاهز، بل منتجا للمعرفة وقائدا لتجربة تعليمية تتسع لأخطائه ومحاولاته وقدرته على التعلم الذاتي.

ولا يتوقف هذا التغيير عند حدود الصف، بل يشمل رؤية وطنية أوسع تتجلى في إطلاق “منصة الأردن للمعرفة المستقبلية” بالشراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي، كأداة لاستشراف التحولات العالمية وبناء سياسات تكنولوجية متقدمة، والربط بين هذه الرؤية الكبرى وبين المبادرة المدرسية يمنح التجربة الأردنية ميزة نادرة: سياسات تستند إلى استشراف مستقبلي، وتطبيق تربوي يتجسد على الأرض داخل غرف الصف، وكأن التعليم يصبح الامتداد العملي لمنظومة الابتكار الوطني.

الانتشار الجغرافي الواسع للمبادرة يترجم هذه الرؤية بصورة عملية، إذ تتبنى مدارس مختلفة في الكرك والطفيلة ومعان والعقبة والشمال والوسط تطبيقات ماينكرافت ضمن مشاريع مدرسية متنوعة، فقد صممت مجموعة من الطالبات في جنوب المملكة نموذجا رقميا لحلول مائية لقريتهن ضمن عالم ماينكرافت، في مشروع دمج بين العلوم والبيئة والهندسة والتفكير التصميمي، وفي مدرسة أخرى أعاد طالب في الصف التاسع بناء مدينة البترا افتراضيا، مقدما قراءة جديدة للإرث الحضاري عبر أدوات رقمية حديثة. هذه النماذج تبرهن أن الطالب قادر على توظيف الأدوات الرقمية لخدمة قضاياه المحلية، وتعكس كيف يمكن للتكنولوجيا أن تصبح جسرا بين الهوية الوطنية وابتكارات الجيل الجديد.

لكن هذا التحول لا يكتب له النجاح من دون المعلم، البرنامج التدريبي المكثف للمعلمين، الذي يمتد لـ20 ساعة ويشمل مشروع تخرج وتقييما عمليا، يشكل استثمارا نوعيا في رأس المال البشري، غير أن التحديات تبقى قائمة، من اكتظاظ الصفوف إلى محدودية البنية التحتية الرقمية في بعض المدارس، وهي عقبات تحتاج إلى معالجة جادة لضمان تكافؤ الفرص بين جميع الطلبة.

في المحصلة تقدم ماينكرافت التعليمية نموذجا لثورة صامتة تعيد تعريف علاقة الطالب بالمعرفة؛ إذ يتحول فيها التفكير التصميمي إلى عادة، والتجريب إلى جزء من الهوية التعليمية، والفشل إلى خطوة في رحلة الابتكار، وفي بلد يسعى لوضع بصمته في الاقتصاد الرقمي العالمي، يصبح هذا التحول أكثر من تحديث تربوي؛ إنه تأسيس لجيل يبني مستقبله بيده، ويملك الأدوات التي تمكنه من المنافسة والإبداع، لا في عالم افتراضي فقط بل في مستقبل الأردن ذاته.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :