facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




سوريا بين إرث القوة ووهم العودة


م. بسام ابو النصر
11-12-2025 11:41 AM

يكشف تقرير وكالة رويترز الأخير عن طبقات عميقة من الصراع داخل إرث النظام السوري، حيث يحاول بعض رجال الأسد – من بينهم كمال حسن ورامي مخلوف – بناء نفوذ جديد في مرحلة ما بعد سقوط الرئيس السابق. ورغم أن هذه التحركات تُقدَّم في ظاهرها كمساعٍ لحماية أبناء الطائفة العلوية، إلا أن حقيقة الأمر تبدو أقرب إلى محاولة استعادة امتيازات فقدها هؤلاء الرجال، أكثر من كونها مشروعًا وطنيًا أو اجتماعيًا جامعًا.

ما يظهر من مضمون التقرير هو أن سوريا تعيش اليوم اختبارًا حقيقيًا بين من يرغب في جرّها إلى ماضٍ أثبت فشله، وبين من يحاول صياغة مسار جديد يحفظ مصالح السوريين كافة، لا مصالح الأفراد. فالمجموعات التي تشير رويترز إلى تشكيلها، سواء في الساحل السوري أو لبنان، لا تعكس ثقة شعبية بقدر ما تعكس فراغًا في نفوذ اعتادت عليه تلك الشخصيات. وبينما يحاول هؤلاء تسويق أنفسهم كحماة للطائفة، فإن غالبية أبناء الساحل – كما يشير التقرير – تُدرك أن مصالحها المستقبلية مرتبطة بالدولة، لا برجال ظلّوا مرتبطين بمراكز قوة تقليدية لم تجلب لها سوى الألم والخسارات.

إن جوهر التحليل هنا يكمن في أن المجتمع العلوي تحديدًا، الذي دفعت شرائحه أثمانًا باهظة خلال العقدين الماضيين، لم يعد مستعدًا للدخول في مغامرات جديدة قد تعيد إنتاج الخوف. فالمشروع الذي يبنيه رجال النظام السابق يقوم على روافع قديمة: المال، الولاءات الشخصية، واستثمار الذاكرة الأمنية. لكن الزمن تغيّر، والبيئة التي كانت تُدار بالعصا والامتياز لم تعد تستجيب للمعادلات نفسها، كما أن افتقادهم للدعم الروسي يجعل هذه التحركات أقرب إلى الإعلان عن ضعف لا تأسيس قوة.

وبينما تتحرك الحكومة الجديدة لاحتواء التوتر وتحقيق توازن داخل المجتمع، فإن المحاولات التي يجريها رموز الماضي، كما ورد في تقرير رويترز، تبدو خارج سياق اللحظة. فالعالم تغيّر، وسوريا نفسها تغيّرت، ووعي الناس تغيّر، ولم يعد مكان لمشاريع تقوم على شدّ الطائفة إلى موقع هجومي أو دفاعي مبني على الخوف. إن أولويات السوريين اليوم، علويين وسنّة وغيرهم، تتمحور حول الأمن اليومي، العدالة، وحقهم في مستقبل يخرج من تحت عباءة كل من يطمح لوراثة سلطة متآكلة.

إن اللعب على الحساسية الطائفية أو الاستثمار في الخوف لم يعد مقبولًا في مرحلة تسعى فيها البلاد إلى بناء عقد اجتماعي جديد. وإذا كانت بعض الشخصيات ترى في لحظة التحوّل فرصة للعودة، فإن الواقع يعكس أن سوريا تتقدّم نحو مسار لا يمكن فيه أن تتقدّم مصالح الأفراد على مصالح الناس. لقد انتهى زمن صناعة الزعامات من فوق، وبدأ زمن مساءلة كل مشروع لا يصبّ في حماية المجتمع، بل في جره إلى مواجهة لا يريدها ولا يتحمّل تبعاتها.

سوريا اليوم أمام طريقين: إما أن تمضي نحو مستقبل يقدّم أبناءها على كل اعتبار، وإما أن تعود إلى غبار صراعات أثبتت التجربة أنها لا تجلب سوى الانقسام. وما تكشفه رويترز ليس مجرد خبر؛ بل تذكير بأن إرث القوة القديمة ما زال يحاول أن يتنفس، لكن البلاد التي دفعت أغلى ما تملك لم تعد تمنح ذلك الإرث فرصة أخرى.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :